تنشر الديار مقتطفات من كتاب: صدام حسين من الزنزانة الاميركية: هذا ما حدث ! من تأليف المحامي خليل الدليمي الذي رافقه طيلة فترة الاسر التي سبقت اعدامه، فكان الدليمي المحامي وامين السرّ والابن لصدام الذي خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي الذي ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته.
ففي حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله، ففي الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ، فيما الثانية يستعرض فيها الرئيس العراقي الاسباب الحقيقية التي اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله، كما انه يكشف الخيانة التي تعرّض لها والشكوك التي رافقته خلال الايام القليلة التي سبقت اعتقاله.
اثارت مسرحية القبض على الرئيس، كما عرضتها القنوات الفضائية وبصورة متكررة، الكثير من الجدل والتساؤل والنقاش حول مدى صحة هذه الصور، بين رافض التصديق قائلا: انها بالتأكيد خيانة او ان الذي قبض عليه هو الشبيه، وبين شامت اعجبه اخراج هوليوود لهذها لمسرحية الهزيلة. ترى هل ما حدث للعراق لم يكن الا من انتاج واخراج صانع افلام الكاوبوي الاميركية؟
قلت للرئيس: سيدي، هل تود ان تسمع الرواية الاميركية حول قصة اعتقالك والمسماة بـ (الفجر الاحمر) ؟ ضحك وقال: »هات ما عندك« قلت: تقول الرواية الاميركية ما يأتي:
الرواية الاميركية
اصدر بول بريمر اوامره لاعضاء مجلس الحكم باغلاق مكاتب قناة العربية في بغداد اثر بثها خلال شهر رمضان من عام 2003، اخر رسالة للرئيس صدام حسين (قبل الاسر)، وذلك عقابا لها على بث هذا الشريط الذي اعاد صدام حسين الى دائرة الاضواء. وتقول الرواية الاميركية ان مقتل عدّي وقصيّ، ومصطفى كان صدمة لصدام حسين، اذ لم يصدق ما جرى، وكان يظن ان قراره بابعادهم عنه قد يضمن حياتهم. لكن الرجل الذي ظن صدام حسين انه سيحميهم وشى بهم. وقتل الثلاثة في معركة اثبتوا فيها صلابة منقطعة النظير.
كانت الخطة موضوعة تحت اشراف مباشر من الجنرال ريكاردو سانشيز، يعاونه في ذلك الجنرال راي اوديرنو، قائد فرقة المشاة الرابعة. وتكون كالآتي:
سيحاول صدام حسين اللجوء الى عشيرته والى بلدته تكريت بالذات للاحتماء هناك، خاصة ان الكثيرين من افراد الحرس والمرافقين الشخصيين له، بدأوا يبتعدون عن مكانه بعد مقتل نجليه. وكانوا يدركون انه مصمم على الاستمرار في مقاتلة الاميركان مهما كان الثمن.
كان الاميركان يولون اهتماما خاصا لفك لغز المخابئ السرية التي كانوا يعتقدون انها متواجدة تحت القصور الرئاسية. وقد بذلوا جهودا مضنية لكشف اسرار تلك المخابئ، الا انهم فشلوا وكان الجنود الاميركيون من الفرقة الرابعة يقومون بتفتيش هذه القصور الرئاسية اكثر من مرة في اليوم تحسبا لوصول صدام حسين اليها في اي وقت محتمل، وعدد هذه القصور يربو على عشرين قصرا، كان اكثرها اهمية تلك التي تقارب نهر دجلة.
امام الصعاب التي واجهها الاميركيون، قام سيمون دارايز، احد اهم قيادات وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي.آي.ايه) في العراق، بوضع خطة بحث جديدة لاعتقال صدام حسين. اذ كان يعتقد انه يتعمد المرور في المخابئ السرية لهذه القصور لعلمه ان القوات الاميركية تفرض حصارا من السياج الامني عليها (من الخارج)، وان افراد حرسه الشخصي الذين ألقي القبض عليهم ادلوا بمعلومات تفصيلية عن تلك المخابئ، لكن صدام حسين ليس من الغباء لكي يستخدمها مرة ثانية، لا سيما انه معروف بالذكاء واجادة التمويه والتغطية على تحركاته، كما انه يعرف اكثر طبيعة الارض العراقية.
ذكر سيمون دارايز في تقريره الذي اعده في آب عام 2003، ان الاماكن التي يمكن ان يتواجد فيها صدام حسين هي واحد من اثنين: اما في منزل اسرة تسكن بعيدا عن بغداد، وله ثقة بها وهي قادرة على حمايته، او في منطقة مهجورة غير مأهولة بالسكان. وقد يكون اعد لنفسه مخبأ في هذه المنطقة القريبة من عشيرته وبلدته تكريت. ويرى دارايز ان صدام حسين لا يمكن له مغادرة العراق من خلال دراسة شخصيته التي لا تقبل بالهروب. ورأى ضرورة التركيز على الحرس الشخصي والمرافقين الذين يعرفون بتحركاته في الفترة القادمة، بعد ان فشلت الخطة الأولى بالقبض عليه من خلال استجواب كبار معاونيه بعد اعتقالهم، وكذلك من خلال بعض شيوخ عشائر تكريت، وشيوخ عشائر المحافظات الأخرى، حيث ان الأغلبية لم تعرف مكان تواجده، او ان بعضهم يعتبر ان الوشاية بمكانه سيلحق العار بهم ويضعهم أمام مشاكل كبيرة. فالخطة السابقة تقول ان البحث عن الكبار واعتقالهم بدعوى أنهم يعرفون مكانه، ويسيوشون، هي خطة فاشلة. بينما الخطة الجديدة تقول ان »الصيد الثمين« يتأتى من حرسه الشخصي الذين رافقوه بعد احتلال بغداد.
كانت المؤشرات الأولية التي بدأت تتجمع في آب 2003، تقول ان هناك اشخاصاً أكدوا انهم رأوه في شمال بغداد، تارة في تكريت وتارة في مناطق أخرى.
وهكذا أسهب الفريق الجديد لوكالة المخابرات الأميركية في العراق بقيادة سوارز كيفان بجمع المعلومات عن الأشخاص الذين يروون تفاصيل تحركات صدام حسين وكيفية مشاهدته والاشخاص الذين كانوا يحرسونه. وكانت المخابرات الأميركية قد جمعت اكثر من مائة صورة لمائة شخص من حراسه السابقين والمرافقين له وأقرباءه. وكانت هذه الصور تعرض على الأشخاص الذين يدلون بمعرفتهم اياه، ومدى قربهم منه. وكان السؤال المطروح عليهم هو »متى رأوا صدام« ؟ وكانت أكثر الأسئلة إلحاحاً تتعلق بالأشخاص الذين يقومون بحراسته ومرافقيه وأوصافهم والأماكن التي يتردّدون عليها.
كان يعاون وكالة المخابرات الأميركية في البحث عنه، فريق من الموساد الاسرائيلي المكوّن من عشرة أفراد بمن فيهم رئيس قسم العمليات والاستطلاع بجهاز الموساد.
وهكذا، وبعد تحقيقات مكثفة، وعرض صور الحراس على المقبوض عليهم، توصلت المخابرات الأميركية والاسرائيلية الى انه لم يبق الا على اثنين من حراسه.
وقد تطابقت الأوصاف التي أدلى بها هؤلاء عن الحراس مع رؤية بعض الاشخاص للرئيس في تكريت، وآخرين عن رؤيتهم لهم في الرملة وفي كركوك. وتحدث آخرون عن ان هذين الحارسين كانا من أكثر الأشخاص الذين يثق بهم الرئيس صدام حسين.
تركزت التحقيقات بعد ذلك في معرفة كافة التفاصيل عن تحركات هذين الشخصين، وبدأ السعي الحثيث للقبض عليهما.
أدت المعلومات التي ساهم في جمعها كذلك أفراد من المخابرات العراقية، مع الفريق الأميركي والاسرائيلي، الى القبض على أحد المقرّبين من الرئيس في أواخر آب 2003، ومارسوا عليه شتى أنواع التعذيب لمعرفة مكان الرئيس، الا انهم فشلوا في بادئ الأمر، ولكن بعد الضغوط النفسية والجسدية العنيفة لمدة ثمانية عشر يوماً متواصلة، اعترف هذا الشخص بأحد المخابئ المهمة في جنوبي بغداد. وشكل اكتشاف هذا المخبأ نقطة جوهرية في مسار الخطة الأميركية التي التزمت بالسرية المطلقة. وقد وجد هذا المخبأ في منطقة مهجورة ويشبه المخبأ الذي عثر فيه عليه لاحقاً. كان هذا المخبأ داخل غرفة تؤدي الى حجرة عميقة، وكانت الحفرة التي تؤدي اليها الحجرة العميقة تبدو ضيقة كتلك التي زعموا أنهم وجدوه فيها.
بعد معاينة المكان الذي أحاطوه بالسرية المطلقة، والدخول والخروج منه بحذر شديد من دون المساس بمقتنياته البسيطة، أدرك الفريق الأميركي والاسرائيلي انهم قد اقتربوا من صدام حسين، وأحسوا بأنه يتحرك بذكاء شديد خلال زياراته لهذه المخابئ المهجورة. واكتشفوا بأنه يضع علامات دقيقة سرية للتأكد في ما اذا قام أحد بالدخول الى المخبأ، اذ كان يعتقد ان الأميركيين سينصبون له كميناً في أحد المخابئ. وقد أكد الشخص المقبوض عليه انه لا يعلم الا بثلاثة مخابئ وهي في الرملة وكركوك وجنوبي بغداد، وبالتالي فهو لا يعلم عن مخبأ الدور قرب تكريت الذي زعموا انهم وجدوه فيه في ما بعد.
تابع الفريقان بدقة وكثافة المخابئ الثلاثة التي أشار اليها قريب صدام حسين. الا ان المتابعات اكدت بأنه لم يتردد عليها نهائياً، مما تأكد للقوات الأميركية ان هذه المواقع مهجورة، وان المعلومات التي أدلى بها قريبه غير دقيقة.
مقابل ذلك، كانت هناك وجهة نظر أخرى تشير لوجود مخابئ أخرى في مناطق متفرقة من العراق يستخدمها لتعذّر استخدام مخابئ القصور الرئاسية او المخابئ الشهيرة التي تتحمّل ضربات القنابل الأكثر شراسة،الجنرال آروس بيكومان، احد ابرز رجال فريق الاستخبارات الاسرائيلية، كان أول من أشار الى ضرورة البحث عن هذه المخابئ داخل تكريت والمناطق المهجورة حولها، وخاصة لدى أقرباء الرئيس. فهذه المخابئ يحميها اشخاص يثق فيهم صدام حسين ويتحرك وسطهم بأمان.
كان التقرير الذي اعده آروس مثار بحث دقيق من قبل الاستخبارات الاميركية وقيادة الفرقة العسكرية الرابعة المكلفة بالبحث عنه. وقد زودت هذه الفرقة بعناصر من الكوماندوز الاميركيين، يدعمهم اربعة من الطيارين الكوماندوز الاسرائيليين الذين سيكلفون باستخدام طائرات اميركية لضرب السيارات حال هروبها من موقع القتال في حالة ادارة معركة طويلة، وهذه العملية تشابه عمليات ضرب القيادات الفلسطينية اثناء تنقلهم في سياراتهم وذكر آروس في تقريره ان المكان الذي سيختبئ فيه صدام حسين لا يثير اية شكوك، وان الحراسة الامنية هي من اقربائه ومن المحيطين به، وتكون بعيدة عنه.
بناء على هذا التقرير، توجه الاميركيون الى اعتقال اقارب الرئيس وأصهاره والحراس القريبين منه. كان واضحا ان الخطة الاميركية الجديدة ستقود حتما الى نتيجة هامة، ولذلك ظلت محصورة في بول بريمر والجنرال ريكاردو سانشيز وقائد الفرقة الرابعة والفريق الذي سيقوم بعملية التنفيذ.
بدأت القوات الاميركية في تنفيذ الخطة باعتقال اقاربه والحرس المنتمي الى تكريت بسرية تامة. وكانت تمارس على المقبوض عليهم كل وسائل التعذيب النفسي والجسدي. وقد اضطر عدد من الذين سقطوا من آثار التعذيب للتعاون مع الاميركان، وهم خمسة اشخاص، ثلاثة منهم من اقاربه وواحد من الحرس واخر من اصهاره.
كان أحد الأشخاص يمت اليه بصلة مباشرة. وفي تلك الفترة، مرض احد اخوال صدام مرضاً شديداً، فقام صدام في مساء متأخر من احد الايام بزيارتين الى خاله، وكان يتحرك بثقة كبيرة حتى إنه اصطحب في الزيارة الثانية ابن خاله وعمره (35 عاما) الى احد مخابئه، واعطاه مبلغ خمسة الاف دولار لاستكمال علاج والده.
قبض على هذا الابن في اليوم التالي. ومورس عليه اقسى انواع التعذيب، واعترف في اليوم التالي، واصطحبهم الى احد المواقع المعينة، ثم اشار لمنزل مؤلف من طابقين وقال انه استلم المبلغ من الرئيس خارج هذا المنزل.
قامت القوات الاميركية بمداهمة المنزل، وفتشوه تفتيشا دقيقا لمدة ثلاثة ايام في تشرين الاول 2003. وانتهى الامر الى اكتشاف مخبأ مهم في هذا المنزل. والمخبأ يشير الى وجود حفرة تؤدي الى حجرة تتسع لشخص. وكانت هذه الحفرة مغطاة بالحشائش. وقد عثر رجال الفرقة الرابعة على آثار طعام حديثة تدل على ان صدام حسين اعتاد المجيء الى هذا المنزل.
تأكد للاميركيين والاسرائيليين بأن »الصيد الثمين« قد اقترب. لذا نصبت عدة كمائن. واستمرت المراقبة لمدة اسبوع من دون جدوى. وهذا الانتظار خلق شكا عندهم ان صدام حسين ربما علم بالامر من خلال رجاله، وهو لا يعود الى موقع اكتشفه الاميركيون.
في اليوم الثامن، كانت المفاجأة عندما اقترب احد حراسه وهو من اقاربه، من المنزل. ويبدو انه قد كلفه باستطلاع المنزل. دخل هذا الشخص الى المنزل، وبعد تفقده غادره.
في هذه الاثناء، تصارع رأيان عند الفرقة الرابعة. اما القبض على هذا الشخص واجباره على الاعتراف بمكان صدام حسين، او تتبعه لمعرفة المكان.
حسم الامر، والقي القبض على الشخص. تعرّض للتعذيب بطرق فظيعة، انهار بعدها واعترف بأن الرئيس سيأتي الى هذا المكان بعد وقت قصير. وقد ساعد الاميركان في تحديد المنطقة، الاجهزة الحديثة للاتصالات السلكية واللاسلكية من قبل الفرقة الرابعة. ونشرت هذه الاجهزة على مساحة تقدر بأربعة كيلومترات حول المنطقة التي من الممكن ان يتواجد فيها الرئيس. وكانت هذه الاجهزة قد استخدمت في وقت سابق في افغانستان، وحققت نجاحاً كبيراً اثرت على شبكة اتصالات تنظيم القاعدة التي اضطرت الى التخلي عن اتصالاتها سواء بالهاتف المحمول او الثابت.
وقد رصدت هذه الأجهزة اتصالاً خارجياً يعتقد أن صدام حسين قد أجراه مع زوجته سميرة الشابندر من هذا المكان، والذي حسم هذا الأمر بأنه صوت صدام حسين هو طارق عزيز (محاولة الدسّ على الأستاذ طارق عزيز) الذي كان يعرف الشخص الموجود على الطرف الآخر من الاتصال. وقد استمر الاتصال لمدة عشر دقائق. كان الرئيس على مقربة من المكان، ويبدو أنه شعر بالخطر، أو أنه شاهد بعض القوات الأميركية، فابتعد عن المنطقة بطريقة ذكية حين كان الاميركان على وشك القبض عليه. وكان وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد قد أعلن سابقاً بأن البحث عن صدام حسين هو كمن يبحث عن ابرة وسط كوم من القش. اذ في كل مرة يقترب هذا الصيد الثمين، كان صدام حسين ينجو بأعجوبة.
يوم الجمعة في 12 كانون الاول 2003، وفي بغداد وتحديداً في منطقة العرصات/ الكرادة، لاحظت القوات الأميركية حركة غير اعتيادية في دار قريبة، فاقتحمت تلك الدار التي كانت بيت دعارة، واعتقل كل من كان فيها. ولم تطلق رصاصة واحدة من الطرفين. فتحت التحقيقات مع الجميع بعد اصطحابهم لأحد المواقع العسكرية الأميركية. وتوقف رجال المخابرات عند احد الاشخاص ويدعى محمد إبراهيم المسلط الذي قال انه كان عقيداً في الجيش. وبعد التدقيق في اجهزتهم الالكترونية، وجدوا تطابقاً في المعلومات بين اسمه والمعلومات المخزنة لديهم ما عدا عنوان العمل. كان الأميركان يبحثون عن هذا العقيد للوصول الى »الصيد الثمين«. فقاموا باجراء تحقيق (خاص) معه من دون ذكر نوع هذا التحقيق وخاصيته. وقد أكد لهم ان صدام حسين موجود في مكانين في قضاء الدور الذي يبعد مسافة 180 كلم شمال غرب بغداد. وعلى الفور، جرى الاتصال بقائد الفرقة الأميركية المكلفة بالمطاردة، الكولونيل جيمس هيكلي، ووضعت الاستعدادات القصوى تحسباً لأية عملية من قبل المقاومة. وقد نقل العقيد إلى تكريت بطائرة عسكرية، حيث اخضعته شعبة المخابرات الأميركية والاسرائىلية الى تحقيق (خاص) اعترف اثره بكل ما لديه من معلومات.
عصر يوم الجمعة في 12/12/2003، وفي الساعة الثالثة بالتحديد، تحرك ما يزيد عن خمسين عجلة أميركية يرافقها غطاء جوي كثيف، مع أفواج من الخيالة والقوات الخاصة الاميركية وقوات المارينز وأدلاء عراقيين مع مترجمين وبعض أفراد البيشمركة من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لجلال طالباني، بالاضافة الى العقيد الذي اعتقل في بغداد.
طوّقت المنطقة، وفرض حصار شديد عليها. اشار لهم العقيد الى الدار الأولى، ففتشوها بدقة، لكنهم لم يعثروا على الهدف. لكنهم بالمقابل وجدوا سيارة أجرة بلونين الأبيض والأصفر، وهي قديمة جداً. بالاضافة الى دراجة نارية وحصان. ثم اشار لهم العقيد الى دار قديمة متواضعة في المزرعة، وقال ان الرئىس موجود في داخلها. على الفور اعتقل شخصان وفتش الدار، فوجدوا اطعمة قديمة واخرى معلبة مع مبلغ 750 الف دولار حسب ما اعلن الجيش الاميركي.
(حسب روايات كثيرة فإن المعلبات التي وجدت كان يستعملها فقط الجيش الاميركي).
.. حين كانوا على اهبة الخروج، لاحظ احد الجنود صخرة تتحرك تحت قطعة سجادة. وبعد ان رفعت بعض الحشائش والاتربة من فوق الصخرة، رفعت باستخدام المعاول والمجارف! فاذا بالفتحة التي تؤدي الى »حفرة العنكبوت« والتي لا تتسع الا لشخص واحد كان هناك شخص ممدد، قال للجنود باللغة الانلكيزية: »انا الرئيس صدام حسين«. اخرجه الجنود وكان يحمل مسدساً نقله الجنود الى القاعدة الاميركية في تكريت، ثم نقل بطائرة عسكرية امريكية حيث مكان اعتقاله قرب مطار بغداد الدولي.
جرى التعرف عليه من خلال بعض مساعديه الذين اكدوا انه هو، وعلى الفور ابلغ وزير الدفاع رمسفيلد، والرئيس الاميركي والجنرال ابي زيد، قائد العمليات الاميركي الوسطى.
وتقول بعض المصادر ان الرئيس بوش طلب احضاره برفقة بريمر الى البيت البيض على الفور، وطلب عدم اعلان ذلك.
وحسب الرواية الاميركية فقد اصطحب، في سرية تامة، الى مكان في العاصمة الاميركية واثناء نقله كان يحقن بجرعات مخدرة من انتاج اسرائيلي.
كان بوش يريد ان يرى صدام حسين مكبلا، وكان يريد كذلك ان يخاطب العالم، بعد وضعه في قفص حديدي خلف باب يفتح اوتوماتيكيا. ثم ما ان يبدأ خطابه حتى يعلن المفاجأة بالقول هذا هو الشخص الذي حيّر العالم. ثم يفتح الباب ويظهر صدام حسين داخل القفص بوضع مزر. الا ان كولن باول واغلب رجال البنتاغون رفضوا ذلك لانها ستكون رسالة استفزاز موجهة لكل الشعوب العربية. تم اعادة صدام حسين الى مطار بغداد. بعد ذلك اعلن خبر القبض عليه.
وخبرنقل الرئيس الى اميركا لم يؤكده او ينفه احد.
هذه هي الرواية الاميركية لكيفية اسر الرئيس صدام حسين.
الأميركيون سألوني عن أسلحة الدمار الشامل وجوابي كان: لو امتلكتها لما غزوتم العراق
إنهالوا عليه بالضرب وشتموه فسقط مغمى عليه فاستقدموا طبيباً ليفحص فكّه
سألني الباجه جي: ما الذي فعلته بالعراق يا صدام؟ فسألته: ما الذي جاء بك مع هؤلاء؟
تنشر الديار مقتطفات من كتاب: صدام حسين من الزنزانة الاميركية: هذا ما حدث ! من تأليف المحامي خليل الدليمي الذي رافقه طيلة فترة الاسر التي سبقت اعدامه، فكان الدليمي المحامي وامين السرّ والابن لصدام الذي خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي الذي ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته.
ففي حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله، ففي الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ، فيما الثانية يستعرض فيها الرئيس العراقي الاسباب الحقيقية التي اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله، كما انه يكشف الخيانة التي تعرّض لها والشكوك التي رافقته خلال الايام القليلة التي سبقت اعتقاله.
في حلقة الأمس، سرد المحامي خليل الدليمي الرواية الاميركية للاعتقال أمام الرئيس العراقي صدام حسين، وفي حلقة اليوم نتابع رواية صدام للحادثة:
حين انتهيت من رواية هذه القصة للرئيس، ضحك وقال:
»الاميركان أساتذة في الدبلجة، وكنت واثقا انهم سيحرفون الحقائق. فقد ارادوا ان يقدموني للعالم بطريقة غير لائقة ليقولوا للعراقيين هذا هو رئيسكم، ويقولوا للعرب هذا بطل قوميتكم. هذه هي طريقتهم، طريقة افلام الكاوبوي السخيفة التي اشتهروا بها. وهم خبراء في ذلك. وقد رأينا ما حصل عندما انزلوا قواتهم في بنما واختطفوا الجنرال نورييغا وحاولوا تشويه سمعته، وأساليبهم معروفة لكل العالم. وها أنا اروي لك القصة الحقيقية، وانفي نفيا قاطعا معظم ما ورد في الرواية الاميركية وخاصة الاسم الذي ذكروه بأنه هو الواشي، فهذا الشخص لدي ثقة كبيرة فيه، والاميركان يريدون خلط الاوراق والتمويه على الخونة الحقيقيين الذين سلموني للغزاة«.
ثم بدأ الرئيس يروي تفاصيل أسره، فقال:
»كنت اتردد على دار احد الاصدقاء في قضاء الدور في محافظة صلاح الدين وقد اخترت هذا المكان لانه المكان ذاته الذي لجأت إليه في عام 1959 وعبرت نهر دجلة عندما شاركت في الهجوم على موكب الزعيم عبد الكريم قاسم. وهو يقع على نهر دجلة، وبالقرب منه احد القصور الرئاسية في الضفة الثانية.كان صاحب الدار صديقا أثق به ثقة كبيرة هو قيس النامق، وكنت آنذاك أكتفي باصطحاب اثنين من افراد حمايتي من المقربين لي كي لا اثقل على صاحب الدار، ولكي لا تكون الدار هدفا مرصودا للقوات الاميركية. ودرءا لاي طارئ قمنا بوضع دراجة نارية وحصان وزورق جاهز في النهر امام الدار على نهر دجلة لكي نستخدمها جميعا عند الحاجة. فإذا جاء الاميركان من جهة الصحراء نقوم باستخدام الزورق. واذا جاءوا من جهة النهر او الشارع نستخدم الحصان ونسلك الاراضي الزراعية. واذا ما اتوا من الاراضي الزراعية، فيمكن لنا ان نسلك بواسطة الدراجة النارية طريق الصحراء. وقد اعددنا العدة لكل حالة. ثم زيادة في الحذر، قمنا بإنشاء ملجأ تحت الارض كي نلجأ إليه في الحالات الطارئة ويشبه الملاجئ التي كنا نساعد العراقيين في انشائها في زمن الحرب العراقية - الايرانية.
كنت أمضي وقتا في هذا البيت اكثر من اي مكان آخر، ففي احد الايام، كنت في اماكن بعيدة ولعدة ايام اتفقد بعض فصائل المقاومة وبعض دور العراقيين. عدت لهذه الدار وانا منهك من التعب. كان الوقت عصرا فأخذت المصحف الشريف وقرأت بعض الآيات، وبقيت حتى الغروب. كانت زوجة هذا الصديق تعد لنا الطعام. وعندما حان وقت الصلاة، اطبقت المصحف واتجهت الى مكان الصلاة، فإذا بصاحبي يأتي راكضا من خارج الدار صائحا: لقد جاؤوا، مكررا هذه العبارة عدة مرات. فتساءلت عمن يكونون، فأجاب: الاميركان.
وعلى الفور نزلت الى الملجأ وبعد دقائق اكتشف الاميركان مكاني، فقبضوا علي من دون اية مقاومة مني، بل لم اضع في حسابي مقاومتهم والسبب هو انني قائد، ومن جاؤوا كانوا جنودا وليس من المعقول ان اشبتك معهم واقتل واحدا او اكثر منهم وبعدها يقومون بقتلي. فهذا تخل عن القيادة، والشعب وضع ثقته فينا رئيسا وقائدا وليس جنديا. لكن لو كان بوش معهم لقاتلته حتى انتصر عليه او اموت.. قبل القبض علي، تكونت لدي بعض الملاحظات على صديقي صاحب الدار. فقبل أسبوع من الاعتقال، بدا لي شارد الذهن، وقد بدأ وجهه يتغير وتصرفه غير طبيعي. ومن شدة ثقتي به لم يساورني ادنى شك في احتمال ان يغدر بي. بدا لي في بعض اللحظات انه خائف ومرتبك. ومع الاسف، فإنه ركب الهوى وتبع الشيطان، وربما هي الغنيمة التي وعده بها الاميركان. اما انا، فلم اكن املك مبلغا كبيرا من المال لاتحسب للخيانة مكانا. كان كل ما معي هو مليون ومئتان وثمانون الف دينار ادير بها بعض عمليات المقاومة.. لذا، عليكم ان تخبروا العراقيين ان قيس النامق واخوانه هم الذين وشوا بي.
وأنفي كذلك نفيا قاطعا ما قيل حول تعرضي للتخدير. فهذا جزء من مسلسل الكاوبوي الاميركي. والحقيقة انني لم اكن مخدرا، ولم اتناول طعاما او شرابا لا في الايام الاولى لاعتقالي ولا بقية الايام. وما يتعلق بتساؤلات الناس بأنه جرى نقلي الى الولايات المتحدة، فإنني لم اتناول اي شيء أفقدني الذاكرة او اية مادة منومة. ومكاني لم يتغير سوى انني انتقلت الى المكان الثاني حيث كنت في البداية قريبا من ساعة بغداد حيث المعتقل الاول. وانفي ما قيل حول نقلي الى جزيرة سانتياكو. المكان الوحيد الذي انتقلت اليه هو مستشفى ابن سينا هذا العام، حيث اجريت لي عملية جراحية »فتق« من دون تخدير ليسببوا لي آلاما شديدة، الا انني تحملت بصبر كبير. كانوا يريدون لي ان اضعف، الا انني قمت من العملية ومشيت بشكل طبيعي متحديا ظلمهم لي، وقلت اهذه هي انسانيتكم وديمقراطيتكم.. ثم انهم ينقلونني احيانا الى المستشفى حين تستدعي حالتي الصحية ذلك. واكرر انني ولدت في العراق، وسأبقي فيه واموت وسط شعبي، ولن اخرج من معتقلي الا الى حيث اختارني ربي.
أما تاريخ القبض عليه، فكان في اليوم الذي عدت فيه الى بيت هذا الصديق في 12/12/2003، وقبض علي قبل صلاة المغرب. اما صورة النخلة والتمر التي اظهرها الاميركان، والتي انكرها الكثيرون باعتبار اننا في فترة الشتاء، فقد كانت حقيقية. وهذا ليس بالامر العجيب. فالعراق زاخر بأنواع مختلفة من التمور التي يتأخر ثمار بعضها في النضوج، وبعضها يبقى كزينة على الشجرة لعدم حاجة اصحابها لها.
(لدينا تسجيل موثق بصوت الرئيس صدام حسين في احدى جلسات المحاكمة وهو يذكر اسماء الاشخاص الذين وشوا به. ونحن بدورنا نتساءل هل وجد اشخاص خارج معرفة الرئيس مرتبطين بهذا الشخص الواشي وبتنسيق مع الاميركيين؟).
الاعتقال والتعذيب وأول الزائرين
حين ألقوا القبض علي مباشرة، سمعت احدهم يقول: الرئيس بوش يسلم عليك. ثم قام مترجم اميركي يتحدث باللهجة العراقية، وانهال علي بالضرب المبرح، وبعبارات بذيئة، واخذ بعض الجنود الاميركيين ينهالون علي بالضرب بأعقاب البنادق. ثم اقتادوني بطائرة عمودية الى بغداد حيث استمر تعذيبي بطريقة غير معقولة. كانت ذقني طويلة وكذلك شعر رأسي. وعندما احضروا الطبيب، بدأ يفحصني وكنت اشير له على فكي اذ توقعت بأن فكي قد كسر من شدة الضرب. وكان يبحث في فروة رأسي عن كدمات حدثت من شدة التعذيب. كنت منهكا جدا فالموقف لم يكن سهلا ابدا. ثم حلقوا شعري وذقني، وجاءوا إلي بثلاثة اشخاص عرفت من بينهم عدنان الباجي جي لانه كان وزيرا سابقا للخارجية العراقية. وهذا الرجل سياسي. سألني: ما الذي فعلته بالعراق يا صدام؟ وبدوري سألته: ما الذي جاء بك مع هؤلاء وأنت رجل سياسي ولك تاريخ؟.
ثم قدموا لي الشخص الآخر، والذي على ما اذكر، لم يتكلم. قالوا انه احمد الجلبي.
اما الشخص الثالث، فكان موفق الربيعي الذي بقي خارج السور، اي كان بيني وبينه اسلاك شائكة. كان يتحرك ذهابا وإيابا ويقول: اللعنة عليك يا صدام، بالاضافة الى كلمات بذيئة، ثم سألني: هل تستطيع الآن الخروج الى الشارع؟ فقمت من مكاني لألقنه درسا، لكن الاميركان امسكوا بي. قلت له: هذا شعبي، واستطيع ان اخرج إليه واواجهه في اي وقت، ولكنني اتحداك انت ان تخرج الى الشارع. وبعدها، كما لاحظتم، قابلني القاضي الجوحي. لم يقابلني احد غير هؤلاء سوى الاميركان من الحراس والضباط. وزارني الصليب الاحمر ثلاث مرات، وكنت مستاء منهم، لانهم لا يقومون بدورهم المحدد وواجبهم وفقا لاتفاقيات جنيف. فلم تكن زياراتهم لي ذات فائدة، واذا استمروا على هذا الحال، فإنني لا ارغب في لقائهم. وقد سلموني رسالتين احداهما مؤرخة في شهر آب 2004، وهي مثل سابقتها، شطب من محتوياتها سبعون بالمائة... وردا على سؤال ان كنت قد التقيت بأحد من رفاقي، فأقول انني لم ألتق بأحد، ولا اعرف مكان اعتقالهم ولا احوالهم. وقد ابلغني قبل فترة احد الضباط الاميركان ان ابن عمي علي حسن المجيد قال إنني لم اكن شجاعا وكرر هذه العبارة فتجاهلته بالكامل، واعتبرت هذا الكلام من باب الفتنة التي يجب الحذر منها، ونوعا من الاستدراج في التحقيق.
من خلال التحقيقات التي اجراها الاميركان معي، كانوا يسألونني باستمرار عن مكان اسلحة الدمار الشامل. وكنت اقول لهم اسألوا انفسكم، وانتم تعلمون يقينا بأنه لو كان لدي اسلحة دمار شامل، لما اقدمتم على غزو العراق واحتلاله. ثم سألوني اين اخبئ اموالي الكثيرة، واتهموني بأن رصيدي تجاوز الـ36 مليار دولار، فقلت لهم: فتشوا مصارف العالم واحدا واحدا، وانبشوا الارض تحتكم، فلن تجدوا شيئا لأنكم تعلمون بأن ليس لصدام حسين حسابات حقيقية او وهمية، وانتم على معرفة بوضع عائلتي، وجزى الله عنا خير الجزاء من آواهم وأعالهم.
اسئلة كثيرة سخيفة طرحوها علي، شعرت من خلالها بتخبطهم في التحقيق، وبأنهم في ورطة حقيقية. لذلك اجدهم يبحثون عن اي حل يحفظ ماء وجوههم.
زنزانة الرئيس
بعد أن تحدث الرئيس صدام حسين عن قصة أسره عندما كان في الدار التابعة للمزرعة، ثم نزوله الى الملجأ او السرداب كما كان يسميه احيانا ساورني شك بأن هناك حلقة مفقودة لا يعلمها الرئيس وهو ما جرى خارج الدار، لان الفترة بين اخباره بقدوم الاميركان ونزوله الى الملجأ يستغرق وقتا لا يقل عن عشر دقائق، وخروجه من الملجأ لا يتم إلا بمساعدة احد، كما ان الحفرة التي اظهرها الاميركان على ان الرئيس كان مختبأ فيها (إن لم يكن قد تم تغييرها بأخرى) ما هي الا مدخل صغير يؤدي الى الملجأ. فمن باب الاساءة للرئيس وضعوه في مدخل الملجأ وليس الملجأ نفسه، وبعدها انهالوا عليه بالضرب المبرح الوحشي مع سبه وشتمه، مما افقده توازنه، خاصة وهو يقترب من السبعين من عمره فسقط مغمى عليه. ثم قاموا بعدها بنقله الى القاعدة الجوية الاميركية في تكريت، وبعدها نقل على عجل الى بغداد بطائرة مروحية. واكتملت فصول المسرحية بإظهاره بالطريقة التي رآها العالم حيث الطبيب يفحص فكه، والرئيس يشير إليه للتأكد من سلامة فكه بعد ان تعرض لأقسى انواع الضرب على وجهه. كما ان الطبيب كان يفحص فروة رأسه بحثا عن كدمات. وحين سألته ان كان وقتها او قبلها مخدرا، اجاب بالنفي وبشكل قاطع وقال: كنت قد تعرضت لتعذيب وحشي افقدني صوابي. لذلك فإن مجرد ذكر موضوع الوشاية كان يؤلمه بشكل كبير.
والرئيس صدام حسين يعرف مكان اعتقاله، ويعرف تفاصيله. وهو كما يقول: »عبارة عن غرفة مساحتها 3 * 5 متر، نوافذها عالية تحت السقف مباشرة. في احد زوايا الغربة حمام ودورة مياه. ويخرجونني يوميا لمدة ساعة واحدة الى قاعة مساحتها بحدود 10 * 5 متر، سقفها مشبك ارى من خلاله السماء، لكنهم وضعوا عليه لاحقا »جادر« (نوع من القماش الخاص)، وتركوا لي فتحة عليا بمساحة مترين فقط اسمع من خلالها اصوات الانفجارات وازيز الطائرات. كانوا يخرجونني يوميا صباحا الى الجب لأنه يشبه بئر يوسف ملحق ببيت النور. وهو عبارة عن جدران عالية تحيط بمساحة ارضية لا تزيد عن 25 * 10 متر مغطاة بتشبيك من الاسلاك الحديدية تعلوه خيمة، وتركوا جزءا مكشوفا منها لارى السماء من خلال هذا الحديد. كانوا يخرجونني الى هذا المكان من خلف اربعة ابواب حديدية..
وأتساءل: هل يهم السجين ان كان لسجنه شبابيك ام لا، او ان تكون الابواب التي يتعداها خمسة او عشرة او واحدا.. إنكم تعرفون مدى صبري. فهذا ثواب لحسنات وتكفير عن سيئات. والحمد لله على وعده.
الزمن يمر مسرعا وانا اخشى ان انظر الى ساعتي، واخشى ان يأتي الضابط ليبلغني بانتهاء الوقت. تمنيت للحظة ان تتوقف عقارب الساعة، لكن الزمن يمر ويمر بسرعة رغما عنا وعما يعتري داخلي من الشوق.. فكيف اذا كان هذا الزمن محددا مع رئيسي صدام حسين.
بين المصحف والعائلة
كنت قد احضرت للرئيس مصحفا من بيتي، فشكرني عليه. وقد لاحظت ان المصحف الذي بين يديه محروقه من احدى زواياه. استفسرت من الرئيس عن هذا المصحف فقال لي:
بعد اعتقالي بأيام، اخذوا مني نظارتي الطبية، ولا اعرف مصيرها. وهذا المصحف لي قصة معه. عندما كنت ازور الناس في مختلف الاماكن والمحافظات، وبعد بناء دور الضيافة، امرت بوضع مصاحف في كل غرفة من غرف الدور. وبعد اعتقالي، جاءوا بي الى احد الاماكن التي لا يوجد فيها دورات مياه داخلية، فطلبت الخروج لقضاء الحاجة. فقاموا كعادتهم بوضع قطعة قماش على عيني، لكنني كنت ارى من خلالها. اقتادوني الى احد الاماكن المدمرة الملحقة بالدار التي اقيم فيها الان والتي دمرت نتيجة القصف، فوجدت هذا المصحف مرميا على الارض وقد التهمت النار جزءا من زواياه. فرحت به كثيرا، وسمحوا لي بأخذه. وفي غرفتي وجدت ان الصفحة الاولى والصفحة التي فيها سورة (الحمد) قد اقتطعتا نتيجة القصف. فأخذت قطعة حلوى لدي وبللتها بلعابي وكتبت عليها بدل الصفحات الناقصة، البسملة وسورة الفاتحة. والان اقرأ بهذا المصحف واعتز به كثيرا لانه من مصاحفي القديمة، واتذكر فيه كيف كنا وكان العراق.. الحمد لله.. الحمد لله على كل حال.
هنا نبهنا الضابط الاميركي انه لم يتبق من وقت المقابلة إلا ربع ساعة. سألت الرئيس ان كان يرغب في ان يبعث برسالة الى عائلته، فأجابني:
إن كنت تقصد عائلتي الاربع او الخمس انفار، فإنني اقول لك ان عائلتي هي العراق كله والامة العربية كلها. بلغ سلامي الى شعب فلسطين والعراق والاردن والامة كلها وكل الخيرين في الانسانية، ولا بأس ان تسلم لي على عائلتي الصغيرة. وبلغ سلامي الى كل زملائك المحامين والى عشيرتك والى امك التي انجبتك، وقبل رأسها عني، ودير بالك على نفسك.
❊ ❊ ❊
لملمت اوراقي، وعانقته مودعا وقبلت يديه. شعرت بالالم يعتصرني وأنا اغادره.. شعرت ان نصفي المهني يغادره والنصف الانساني الذي جبل بتراب العراق وحب رئيسه يريد ان يبقى معه. وتساءلت كيف اتركه بين ايدي الغزاة، واعلل النفس بأنه حر بإرادته، بصلابته، بكل انجازاته التي حققها للعراق الحبيب، العراق الذي عشقه الرئيس، وما كان يملك سوى هذا الحب الذي شغل حياته. فالعراق في دمه.. قائد عظيم لم يهرب من الميدان.. لم يعثروا له على اموال في البنوك.. قال لهم الحقيقة ان لا اسلحة دمار شامل في العراق، وصدق وكذبوا هم...
حين كنت اودعه، قال لي بنبرة أبوية دافئة:
»الحمل لله الذي وهبني ابنا ثالثا. وللمرة الثانية أقول بلغ سلامي الى اسرتك واطفالك، وان تقبل رأس والدتك، وقل لها: لقد أنجبت رجلا شجاعا، لان مهمتك واخوانك صعبة وفي غاية الخطورة.. حماك الله يا ولدي، وفي امان الله..«.
لم اتماسك.. انهالت دموعي شعرت فيها طعم ونقاء دجلة والفرات. قلت في نفسي: هي بعض من الوفاء لك. يملؤني الفخر بك. سأواصل الدفاع عنك ولو كلفني ذلك حياتي.
حين غادرت الرئيس، طلب مني الضابط الاميركي التوجه الى العربة ذاتها وسط عجلات الحماية العسكرية الاخرى. وفي طريق العودة توقفت العربة، واذا بضابط اميركي طويل القامة، احمر الوجه يسألني عن زيارتي للرئيس صدام حسين بعد ان عرفني بنفسه ورتبته وهو قائد المعتقل. رغبت بالنزول للتحدث بأمور تتعلق بالرئيس، لكنه رفض كي لا احدد مكان الاعتقال وقال: سنسهل مهمتك في زيارته، لكن لا تبح لاحد عن مكانه، فسماء العراق مليئة بالاقمار الصناعية، ونخشى ان تقوم الدول بإعطاء معلومات عن مكانه لدول اخرى التي من الممكن ان تقصف مكان الاعتقال، وعندها ستتحمل انت المسؤولية. رددت عليه بأن حياة هذا الرجل تهمني وتهم شعب العراق اكثر منكم، وانا احرص على ذلك. ثم شكوت له من الحواجز ونقاط التفتيش الاميركية التي قد تعرقل وصولي في الوقت المطلوب الى مكان الرئيس. فأعطاني رقم هاتفه الشخصي للاتصال عند الضرورة.
اعلن الاميركان بعد زيارتي هذه للرئيس انهم فجروا الدار التي كان يعتقل فيها، وانعم غيروا مكانه، ثم قاموا بقطع خط الاتصال الساخن الذي زودني به الضابط الاميركي، ثم تبين لاحقا ان الاميركان لم يفجروا او يغيروا مكان اعتقال الرئيس، وانما اجروا بعض التغييرات على الدار كوضع اشكال وادوات تمويه لاخفاء معالم المكان. وقد اخبرني الرئيس لاحقا بذلك قائلا: المكان هو نفسه، بحيرة النور، وخلوا فوكاه (ووضعوا فوقه) غش للتمويه.
الرئيس واستخدام الهاتف
في السنوات التي كنت قريبا فيها من الرئيس خلال فترة اعتقاله، علمت منه انه ما كان يحبذ استخدام الهاتف لأسباب امنية، خاصة بعد عام 1990، حيث غصت سماء العراق بالاقمار الصناعية، وانتشرت آليات التجسس الاميركية والمعادية. وقد قال لي ان علينا التعامل مع الهاتف بحذر، وقال: لا اتذكر انني استخدمت الهاتف بعد عام 1990 الا مضطرا، اما اختصارا للوقت او لقضية انسانية. اما القضايا الاخرى والمهمة فكنت استخدم التبليغ الشفوي او التحريري مع اخواني في القيادة او مع السكرتير.
وكان الرئيس يؤكد على خطر استخدام الهاتف وخاصة اللاسلكي وقت الطوارئ والحروب، لان استحضارات العدو تعتمد على المعلومات الاستخبارية التي يحصل عليها في ميدان المعركة او في عمق الخصم عن طريق استخدام وسائل الاتصال. ولذلك تعتمد الجيوش على الكلام المشفر للتمويه على تنصت العدو او ما يحدثه من خرق.. حتى في اجتماعات القيادة لا اذكر انني استخدمت الهاتف في تحديد اجتماع او طلب حضور اخواني في القيادة. وكان يتم ذلك عن طريق تبليغنا السكرتير خطيا او شفويا.
المعارضة العراقية حاولت تشويه صورة طارق عزيز واتهامه بالاجتماع مع شخصيات اسرائيلية
صدام قرّر اعدام نجله عدي لقتله احد المرافقين و تراجع عن قراره بعد طلب الملك حسين
احرق السيارات الفخمة التي امتلكها ابنه البكر ورفض توزيعها على الناس خشية من الانتقام
تنشر الديار مقتطفات من كتاب: صدام حسين من الزنزانة الاميركية: هذا ما حدث ! من تأليف المحامي خليل الدليمي الذي رافقه طيلة فترة الاسر التي سبقت اعدامه، فكان الدليمي المحامي وامين السرّ والابن لصدام الذي خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي الذي ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته.
ففي حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله، ففي الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ، فيما الثانية يستعرض فيها الرئيس العراقي الاسباب الحقيقية التي اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله، كما انه يكشف الخيانة التي تعرّض لها والشكوك التي رافقته خلال الايام القليلة التي سبقت اعتقاله.
من المعروف ان لرئيس الدولة، اي دولة، صلاحيات وواجبات محددة وفقاً للقوانين والانظمة والدساتير. وهذه الصلاحيات لا يمكن لها ان تجعل من الرئيس مسؤولاً عن كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة، خاصة ان سلطات الرئيس الدستورية المعروفة لا تجعل منه »قائمقام« او »مدير ناحية« او »شرطي مرور« حتى يطّلع على أدق التفاصيل ويعالج كل ما يتصل بها من اخطاء.
في لقاء مع الرئيس صدام حسين في معسكر كروبر، تحدثنا طويلا عن المعارضة العراقية، وعن الاخطاء التي حدثت والتي قد تكون سبب اذى للكثيرين الذين لم تصل قضاياهم الى الرئيس. وكان صريحا في الحديث حول هذا الموضوع.
يقول الرئيس:
»ان لكل نظام سياسي من يعارضه في الرأي، سواء ما يتعلق بالقوانين والانظمة، او قد يمتد ذلك الى سياسة الدولة الخارجية والداخلية في ما يخص سياستها وعلاقتها مع الشعب. وهذا النوع من المعارضة نحترمه ما دام الاختلاف في الرأي يقع ضمن اطار نظام الدولة ودستورها. وقد تعاملنا مع الكثير من الشخصيات الوطنية العراقية رغم اختلاف وجهة نظرها ومعارضتها لنا في كثير من الامور، لأن هدف هذا النوع من المعارضة هدف وطني نبيل، وهؤلاء العراقيون شرفاء وأصلاء ما داموا لا يستقوون بالأجنبي«.
تذاكرت مع الرئيس بعض هذه الأسماء ومنها المعارضة الوطنية التي يرأسها الدكتور عبد الجبار الكبيسي »جبهة التحالف الوطني«، التي عارضت الغزو الاميركي للعراق ومنهج الاستقواء بالاجنبي. وهنا قال الرئيس: »بلغ سلامي الى الجميع، والى الأبطال عوني القلمجي ونوري المرادي وهارون محمد«.
»كنا على وشك ان نصل مع بعض من رموز المعارضة الوطنية الى موقف مشترك لخدمة العراق لولا وقوع عدوان اميركا. فمشروع المعارضة هذه، مشروع وطني غير مرتبط بقوى وأجندات خارجية، وهم يعملون علناً، وهؤلاء وغيرهم نكن لهم كل الاحترام. اما من يعمل لحساب نفسه ويرتبط بأجندة خارجية، ويعمل في السر ومن خلف الحدود، بعضهم تحت اجندة تسمي نفسها دينية، وترتبط ارتباط وثيقا بأعداء العراق والعرب، ويعملون لايران وغيرها، فهؤلاء لا مكانة لهم بيننا، ولكن اذا ما اصلحوا انفسهم، وارتبط مشروعهم بمصلحة الوطن، وعملوا علنا، وانهوا كل ارتباط لهم بالخارج، فان حضن العراق يتسع للجميع.. وخلاف ذلك، فاننا نقاتلهم. فهم الذين جاءوا على ظهر دبابات أسيادهم.. وهؤلاء اعداء للعراق وشعبه«.
كان الحديث طويلا مع الرئيس حول المعارضة، وعن محاولات تشويه حتى صورة بعض الوطنيين. وقال لي ان تقريرا وصله ذات يوم قيل فيه ان الاستاذ طارق عزيز، عندما كان وزيراً للخارجية، التقى ببعض الشخصيات الاسرائيلية في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة.
»فقلت لمن جلب لي التقرير ولكاتب التقرير ان ثقتي بالاستاذ طارق لا حدود لها. وطلبت حضور الاستاذ طارق، وسألته على انفراد عما قيل، فأجاب: كان عندي مؤتمرصحفي، ويبدو ان بعض الصحفيين اليهود من بلدان العالم ومن اميركا كانوا في المؤتمر، ولم يكونوا اسرائيليين. فهل كان علي أن أتفحص هوياتهم بنفسي قبل الدخول للمؤتمر الصحفي؟«.
ويكمل الرئيس صدام: »طلبت منهم تمزيق التقرير وابقاء الامر سراً كي لا تحدث ثرثرة وتشكيك بالناس المخلصين للعراق«... ثم اضاف: »من العيب ان أتحدث عن نفسي، ولكن ما دام التشويه قد وصل الى هذا الحد، بعد أن بنينا العراق طابوقة طابوقة، فانني سأتحدث بعد الآن عن ذلك كي أوضح الحقائق التي بدأ من بدأ يشوهها على العراقيين«.
وكلنا يعرف الأستاذ طارق عزيز ومواقفه الوطنية المشرفة قبل الاحتلال وفي المعتقل. وهو الذي طلب مني ان يكون شاهداً للدفاع عن الرئيس صدام حسين، فعندما التقينا مع الأسرى أنا وزميلي الشهيد الأستاذ خميس العبيدي، قال لي الأستاذ طارق عزيز علناً وأمام الأسرى والجانب الأميركي: »أرجو يا أستاذ خليل ان تسمحوا لي ان اقول كلمة حق وأشهد للرئيس في قضية الدجيل«.
هناك أمثلة كثيرة حاول خلالها البعض من ضعاف النفوس الدس على أبناء العراق المخلصين ودفعوهم مرغمين الى الخندق الآخر، ووضعوهم في خانة المعارضة المتآمرة على العراق. وعندما يحين الوقت المناسب، سنكشف عن أدق التفاصيل في ما يتعلق بالمعارضة، وكيف كان يتم دفع كثير من الوطنيين مرغمين ان يكونوا ضد الدولة أو النظام، ومن هي الاطراف التي كانت تدفعهم، كل ذلك مدعوم بالوثائق والأدلة.
ثم يبتسم الرئيس ويتابع: »يا ولدي، قابل آني أصير ألف صدام حسين«.
لكن ربما يكون هناك من وقع ضحية وشاية أو ظلم بعض المحيطين والمقربين؟
يجيب الرئيس:
»نعم هذا يحصل، لكن لم يصلني مظلوم الا نصرته، ولا سائل إلا وأعنته، ولا صاحب حاجة الا وقضيت له حاجته. فقد كنت وما ازال انظر الى العراقيين نظرة واحدة. وقد حصلت اخطاء كثيرة، ولكننا كنا نتجنب وعلى قدر المستطاع الوقوع فيها، ولا اذكر اننا ظلمنا احدا، رغم اننا لسنا معصومين من الخطأ. اما اذا لم يصلني كل ما من شأنه ان يصلني ونرفع به عن كاهل اي عراقي عبئا ما، فهذا ليس ذنبي، حتى عندما كان يصلني عن اي تصرف خاطئ تجاه العراقيين من قبل الناس المحيطين
سواء في الديون او افراد الحماية او غيرهم، فقد كنت اعاقبه بنقله من مكان لاخر او نحيله على التقاعد، او ينال العقوبة التي يستحقها فلا نقبل ان يكون بيننا من يسيء لابناء شعبنا ويشوه صورة مسيرتنا، ولا نجزم بانه لا يوجد بين المحيطين والمقربين وحتى الاقوياء من هو سيئ.
ويضيف الرئيس:
ان من يسمون نظامنا الوطني الان ومن قبل، بالنظام الدكتاتوري، وكانوا يعارضوننا انذاك، كنا نستمع اليهم والى وجهات نظرهم، وكنا نتفق ونختلف معهم في امور عدة، وكنا نقف معهم ونساعدهم حتى ماديا وبمبالغ هم يعرفونها، ولا نمّن عليهم باعتبار انه استحقاق كونهم جزءا من هذا الشعب ولو كان السيد جلال طالباني واضحا، لافصح عن الكثير مما يعرف، وكذلك الحال مع السيد مسعود البرزاني، وقد تسعفه ذاكرته ليتذكر ما لا نريد ان نقوله كي لا يفهم ذلك بانه ايحاء منا لموقف نحتاجه في محنتنا هذه، فهذه هي ارادة الله، نحمده، فنحن بخير استجابة لامره.
انني ومن خلال مقاربتي للرئيس خلال هذه السنوات القليلة، واتصالي بالكثيرين من الذين كانوا محيطين به او المقربين منه،ا قول بكل صدق وامانة ان البعض منهم كانوا مخلصين للوطن وللرئيس، والبعض الآخر ما كان يستحق هذه الثقة، بل ان البعض تنكر لفضل الرئيس عليه، ولم يكن امينا على ما ائتمن عليه، مما اغضب الرئيس من تصرفاتهم هذه. في حين ان عددا لا يستهان به كانوا اوفياء للرئيس والوطن، وقد جازف بعضهم، رغم كونه مطلوبا من قبل القوات الاميركية، فادلى بشهادته امام المحكمة لمصلحة الرئيس.
وقد ذكرت للرئيس بان الكثير من المخلصين كانوا مبعدين عنه وحتى بعض اقربائه من النشامى، كانوا ضحية تصرفات البعض من الحلقة الضيقة التي تحيط به والتي اساءت للرئيس وللمخلصين من ابناء الشعب فقال:
حقا لقد كانوا مهمشين وتم التقصير معهم، ولا نريد ان نذكر اسماء اصحاب هذه المواقف الطيبة لاسباب امنية.
وكوني واحدا من ابناء شعب العراق العظيم، اقول للتاريخ ان صدام حسين قد سعى الى اقامة العدل والانصاف، وما طرق بابه مظلوم الا وانصفه واقتص من جلاده، وان البعض قد غيّب الحقيقة عنه، وانه كان حازما حتى مع اولاده واقربائه.
الرئيس واخطاء بعض اقاربه
وفي احد لقاءاتي مع الرئيس، سألته كيف كان يتعامل مع اخطاء ابنائه واقربائه فقال:
ذات يوم شكا لي احد الضباط من ان عدّي واحد اخواله اعتديا عليه بالضرب. فقمت على الفور باحضارهما، وطلبت من هذا الضابط ان يقوم بضربهما بالعصا نفسها. فرفض فهددته بالعقوبة وتنزيل رتبته ان لم يفعل. فقام بضربهما برأفة. فقمت بامساك العصا وضربت عدّي.
وفي يوم آخر، اخطأ قصي، فامرت حرسي الخاص بسجنه في زنزانة خاصة.
عندما قام عدّي بقتل احد المرافقين المرحوم كامل حنا، امرت بسجنه، وطلبت من القضاء ان يقول قراره العادل. لكنني وجدت ان وزير العدل والقضاء العراقي كا محرجا امامي. فقررت اعدامه. لكن ام عديّ ارسلت مبعوثا من دون علمي الى الملك حسين رحمه الله. وعلى الفور حطت طائرة الملك. وقد توقعت ان تكون زيارته في اطارالمشاورات الاعتيادية بين الاشقاء والعرب. لكنني فوجئت به يطلب مني العفو عن عديّ، واقسم الملك حسين الا يزور العراق ان لم استجب لطلبه. فاضطررت وفقا للتقاليد العربية الى العفو عن عديّ شرط ان يعفو عنه اهل الضحية.
وفي احد الايام، سمعت ان اخي وطبان وزير الداخلية، تصرف بشكل غير لائق وغير مسؤول، حيث قام بالنزول من سيارته بعد ان اوقفها سائقه التزاما باشارة المرور الحمراء، فنزل وطبان من السيارة وقام باطلاق النار على الضوء الاحمر محطما الاشارة في احد شوارع بغداد العامة وامام الناس الموجودين هناك.
وقد كان في حالة مزاجية وعصبية سيئة وغير عادية. بعد ان سمعت الخبر، اتصلت به واستفسرت منه عن هذا التصرف، فاجاب بانه فقد السيطرة على اعصابه في تلك اللحظة، واعتذر لي بشدة. فقلت له: اذن انا آسف، فلا مكان للمجانين، والمتهورين في قيادتنا، واعتبر نفسك من هذه اللحظة مغادرا لموقعك. وهكذا اصدرت قرار اعفاء اخي وطبان من وزارة الداخلية.
لقد مرت قصص كثيرة كنت فيها حازما مع اولادي واقربائي وغيرهم فانا لا افرق بين العراقيين.
عندما كنا نعيّن محافظا لصلاح الدين، وبحكم تواجد اهلي واقربائي هناك، كان على المحافظ المعيّن ولكي يقوم بواجباته، ان يحصل على الدعم الشخصي مني، وكنت ادعمه، وفي يوم، اتصل بي واخبرني ان احد ابناء الاقرباء يقود سيارته الفارهة بتهور، فقلت له اخرج انت بنفسك، واحرق السيارة او اعط الاوامر باحراقها.
عندما كانت تصلني معلومات عن عديّ، كنت له بالمرصاد لدرجة قمت بتحديد صلاحياته في كثير من الامور. وقد وصلتني معلومات حين كان العراق محاصرا من انه يمتلك سيارات كثيرة، بعضها هدايا من التجار، وبعضها من اصدقائه،سألت المرافق عن اماكن وجود هذه السيارات، وحين علمت بانها في مرآب قاعة المجلس الوطني، ذهبت اليها واحرقتها كلها وقد سألني المرافق لماذا لا نوزعها على الشعب، قلت ان من يأخذ سيارة سيكون عرضة للانتقام من عديّ، وقد يحصل له مكروه ومن دون علمي.
كنت اغضب كثيرا عندما يسيء التصرف احد من اقاربي لان تصرفه سينعكس على سمعتنا.
عندما ضرب عديّ في المنصور في محاولة لاغتياله، فانني والله لم اسأل عن الحادثة، ولم اعرف هل جرى تحقيق ام لا، الا بعد ان جاءني مدير المخابرات وسرد لي بعض التفاصيل، عدا عن زيارتي له مع بعض افراد العائلة في المستشفى.
واذكر ان احد الاقارب قام بضرب استاذه في الجامعة، وعندما علمت جمعت الطرفين، وطلبت من المرافقين ان ينال من العقاب مثل الذي فعله باستاذه.
وهنا سألت الرئيس ان كان لاولاده دور في القرار السياسي فاجابني:
لم يكن لاسرتي الصغير او اولادي اي دور في السياسة او في صنع القرار السياسي، بل كان القرار نحن من نضعه ونتخذه مع رفاقي. ولم يكن رأيي في اي يوم من الايام في اتخاذ قرار هو حاصل جمع الاصوات فالقائد يجب ان يكون لقراره ورأيه وزنه، ولا يتردد في اتخاذه، فانا لا احب المترددين.
صحيفة »الصن« البريطانية نشرت صوراًٍ له وهو يرتدي ملابسة الداخلية للتأثير على المقاومة العراقية
عرض المحققون على صدام صورة دبابة تحمل اطفالاً عراقيين ولدى تصفحها تبين إنها دبابة بريطانية
الاسرائىليون شاركوا في معارك الانبار و»الموساد« الاسرائىلي طرح على محاميه مئة سؤال
تنشر الديار مقتطفات من كتاب: صدام حسين من الزنزانة الاميركية: هذا ما حدث ! من تأليف المحامي خليل الدليمي الذي رافقه طيلة فترة الاسر التي سبقت اعدامه، فكان الدليمي المحامي وامين السرّ والابن لصدام الذي خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي الذي ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته.
ففي حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله، ففي الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ، فيما الثانية يستعرض فيها الرئيس العراقي الاسباب الحقيقية التي اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله، كما انه يكشف الخيانة التي تعرّض لها والشكوك التي رافقته خلال الايام القليلة التي سبقت اعتقاله.
حاولت اميركا بعد إلقاء القبض على الرئىس صدام حسين تشويه صورته اعلاميا وبشتى الوسائل واستخدمت في ذلك بعض ابواقها العربية المتأمركة. فلم تكتف بذلك. بل حاولت بعد استشهاده النيل من صورته التي توهجت اكثر فأكثر وهو يعلو سلم الشهادة والمجد. كانت تريد ان توصل رسالة الى كل العرب نقول: »هذا هو صدام الذي استسلم لنا بكل سهولة ومن دون مقاومة وذلك في بداية اسره، حين اظهرته في الصورة المدبلجة داخل الحفرة التي اعدها الاميركان بإتقان.
واستمرت المحاولات لتشويه صورة الرئيس وذلك لقتل الروح المعنوية للشعب العراقي والمقاومة خاصة والشعوب العربية التي كانت ترى في صدام حسين رمزا للقائد المجاهد الذي لم يتوان عن ضرب تل ابيب بتسعة وثلاثين صاروخا كانت ترصدها الجماهير من على اسطح منازلها. لكن صلابة موقفه اثناء المحاكمة المهزلة وقدرته على محاكمة جلاّديه، اثبتت لأعدائه ان هذا الرجل صعب المراس وان كل محاولاتهم باءت بالفشل وان صورته في العالم بأسره قد توهجت...
ويطرح جيف آرتشر (مالكوم لاغوش) الصحفي والمحلل السياسي الاميركي اسئلة لا تسمع اليوم كما يقول ولكنها ضرورية حين تطرح قضية العراق. ويسأل لماذا لا يجيب احد عن هذه الاسئلة وانما يركز العالم على امر واحد هو دكتاتورية صدام حسين وقضية الدجيل التي ضخّمت مع ان بوش اصدر احكاما بالاعدام عندما كان حاكما لتكساس تفوق بكثير الاحكام التي اصدرتها محكمة العراق عام 1984 بحق المتهمين. يتساءل آرتشر:
- لماذا لا نسمع احدا يتحدث عن ان العراق اختارته الامم المتحدة عام 1982 بلدا خاليا من الأمية بينما كان مستوى التعليم في العام 1973 اقل من 40٪؟.
- لماذا لا نسمع عن إعلان الامم المتحدة عام 1984 ان نظام التعليم العراقي هو افضل نظام تعليم يراه العالم بالنسبة لدولة من العالم الثالث؟
- لماذا لا نسمع ما قالته نيويورك تايمز عام 1987 من ان العراق هو باريس الشرق الاوسط؟
- لماذا لا نسمع عن زيارات صدام حسين الى بيوت العراقيين في جنوبي العراق في السبعينات ليتأكد من ان كل بيت يملك برادا وكهرباء؟
- لماذا لا نسمع عن الملايين من العرب الذين كانوا يذهبون الى العراق للاستفادة من برنامج الاراضي الذي اسسه البعثيون حيث يحصل كل فرد على قطعة ارض من اجل زراعة الحبوب؟
- لماذا لا نسمع عن العلماء العراقيين والاطباء الذين ارسلوا الى البلاد العربية لمساعدة تلك الدول في تطوير برامجها؟
- لماذا لا نسمع اطراء من الدول العربية للعراق لفقدانه جنودا بأعداد كبيرة في الحرب العراقية الايرانية دفاعا عن العرب الذين كانوا يخشون ان تقوم إيران بتصدير المتدينين المتعصبين لبلادهم؟
- لماذا لم نسمع عن المبادرات العديدة التي قدمت لصدام في التسعينات من المصادر الاميركية لكي يعترف باسرائىل وان يسمح للولايات المتحدة بإقامة قواعد عسكرية في العراق مقابل رفع الحصار عنه؟
- لماذا لا نسمع عن كون كل فرد في فريق التفتيش عن الاسلحة 1991- 1998 جاسوسا وليس مفتشا؟
محاولات رخيصة
وفي محاولة رخيصة من صحيفة (الصن) البريطانية التي يملكها الملياردير اليهودي الاسترالي ميردوخ للإمعان في تشويه صورة الرئيس صدام حسين نشرت له صورا على صفحتها الاولى وهو يرتدي ملابسه الداخلية. واعتقدت الصحيفة ان نشر هذه الصور سيؤثر سلبا على المقاومة العراقية خاصة وان مثل هذه الصور تبدو غريبة وغير مسبوقة لزعيم في اية دولة من دول العالم.
تطرقت لهذا الموضوع مع الرئيس وطلبت منه الموافقة على مقاضاة الصحيفة فقال:
»ما الذي يضيرني كرجل مسلم يصلي، ان اغسل ملابسي بيدي، رغم انهم وضعوا خادما منهم ليقوم بهذا العمل. فانا لا استسيغ ان يغسل ملابسي احد غيري. فارجو الا تقاضوا هذه الصحيفة لان نشر مثل هذه الصور لا يعيبني ولا يسيء إلي. فنحن اكبر من هذه الاساءات. ثم ان نشرها يفيدنا لكي يطلع العالم على ديموقراطية الغرب وانتهاكاته لخصوصية الانسان. عندما تكون لدينا قضية مهمة، فيجب الا نشتت آراء وانظار الرأي العام بقضية مثل هذه.علينا الا نفعل ما يشتت الاساس. بالاضافة الى انني ارفض ان تصدر باسمي اي دعوى او شكوى لها علاقة بالمال«.
ان كل هؤلاء الذين حاولوا الاساءة الى الرئيس صدام حسين من خلال تشويه صورته امام العالم، لا يدركون حقيقة هذا الرجل، فلو قبل المساومة على حياته، لكان ينعم الان في عواصم العالم، لكنه كان يدرك اهداف اعدائه من وراء احتلالهم للعراق، وانهم يريدون العراق سواء اكان هو موجودا ام لا.
بالاضافة الى ذلك، فانهم حاولوا كسر شوكته من خلال التشهير بجثث اولاده كما نشرتها التلفزة العالمية. وقد طرحت على الرئيس سؤالا يطرحه كثير من الناس: لماذا احاط الاميركان بالمقبرة بعد دفن عدّي وقصيّ، ومصطفى لعدة ايام؟ فاجابني:
احدى الاشاعات تقول ان الذين استشهدوا في الموصل يوم 22/7/2003 هم ليسوا اولادي، اي ينفون الروح الجهادية عنهم، وهي محاولة اخرى للتشويه. والدليل كما يقولون ان القوات الاميركية قامت بوضع الشمع على وجوه وبعض الاجزاء من جثث الشهداء لايهام الناس وانا معهم، انهم اولادي، وذلك للتأثير النفسي السلبي فيّ وفي المقاومة، لكنني اعتقد ان محاصرة المقبرة لعدة ايام كان لاعتقادهم بانني سأذهب الى هناك واقرأ الفاتحة على ارواحهم. فيتمكنون عندها من القبض علي.
ففي حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله، ففي الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ، فيما الثانية يستعرض فيها الرئيس العراقي الاسباب الحقيقية التي اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله، كما انه يكشف الخيانة التي تعرّض لها والشكوك التي رافقته خلال الايام القليلة التي سبقت اعتقاله.
اثارت مسرحية القبض على الرئيس، كما عرضتها القنوات الفضائية وبصورة متكررة، الكثير من الجدل والتساؤل والنقاش حول مدى صحة هذه الصور، بين رافض التصديق قائلا: انها بالتأكيد خيانة او ان الذي قبض عليه هو الشبيه، وبين شامت اعجبه اخراج هوليوود لهذها لمسرحية الهزيلة. ترى هل ما حدث للعراق لم يكن الا من انتاج واخراج صانع افلام الكاوبوي الاميركية؟
قلت للرئيس: سيدي، هل تود ان تسمع الرواية الاميركية حول قصة اعتقالك والمسماة بـ (الفجر الاحمر) ؟ ضحك وقال: »هات ما عندك« قلت: تقول الرواية الاميركية ما يأتي:
الرواية الاميركية
اصدر بول بريمر اوامره لاعضاء مجلس الحكم باغلاق مكاتب قناة العربية في بغداد اثر بثها خلال شهر رمضان من عام 2003، اخر رسالة للرئيس صدام حسين (قبل الاسر)، وذلك عقابا لها على بث هذا الشريط الذي اعاد صدام حسين الى دائرة الاضواء. وتقول الرواية الاميركية ان مقتل عدّي وقصيّ، ومصطفى كان صدمة لصدام حسين، اذ لم يصدق ما جرى، وكان يظن ان قراره بابعادهم عنه قد يضمن حياتهم. لكن الرجل الذي ظن صدام حسين انه سيحميهم وشى بهم. وقتل الثلاثة في معركة اثبتوا فيها صلابة منقطعة النظير.
كانت الخطة موضوعة تحت اشراف مباشر من الجنرال ريكاردو سانشيز، يعاونه في ذلك الجنرال راي اوديرنو، قائد فرقة المشاة الرابعة. وتكون كالآتي:
سيحاول صدام حسين اللجوء الى عشيرته والى بلدته تكريت بالذات للاحتماء هناك، خاصة ان الكثيرين من افراد الحرس والمرافقين الشخصيين له، بدأوا يبتعدون عن مكانه بعد مقتل نجليه. وكانوا يدركون انه مصمم على الاستمرار في مقاتلة الاميركان مهما كان الثمن.
كان الاميركان يولون اهتماما خاصا لفك لغز المخابئ السرية التي كانوا يعتقدون انها متواجدة تحت القصور الرئاسية. وقد بذلوا جهودا مضنية لكشف اسرار تلك المخابئ، الا انهم فشلوا وكان الجنود الاميركيون من الفرقة الرابعة يقومون بتفتيش هذه القصور الرئاسية اكثر من مرة في اليوم تحسبا لوصول صدام حسين اليها في اي وقت محتمل، وعدد هذه القصور يربو على عشرين قصرا، كان اكثرها اهمية تلك التي تقارب نهر دجلة.
امام الصعاب التي واجهها الاميركيون، قام سيمون دارايز، احد اهم قيادات وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي.آي.ايه) في العراق، بوضع خطة بحث جديدة لاعتقال صدام حسين. اذ كان يعتقد انه يتعمد المرور في المخابئ السرية لهذه القصور لعلمه ان القوات الاميركية تفرض حصارا من السياج الامني عليها (من الخارج)، وان افراد حرسه الشخصي الذين ألقي القبض عليهم ادلوا بمعلومات تفصيلية عن تلك المخابئ، لكن صدام حسين ليس من الغباء لكي يستخدمها مرة ثانية، لا سيما انه معروف بالذكاء واجادة التمويه والتغطية على تحركاته، كما انه يعرف اكثر طبيعة الارض العراقية.
ذكر سيمون دارايز في تقريره الذي اعده في آب عام 2003، ان الاماكن التي يمكن ان يتواجد فيها صدام حسين هي واحد من اثنين: اما في منزل اسرة تسكن بعيدا عن بغداد، وله ثقة بها وهي قادرة على حمايته، او في منطقة مهجورة غير مأهولة بالسكان. وقد يكون اعد لنفسه مخبأ في هذه المنطقة القريبة من عشيرته وبلدته تكريت. ويرى دارايز ان صدام حسين لا يمكن له مغادرة العراق من خلال دراسة شخصيته التي لا تقبل بالهروب. ورأى ضرورة التركيز على الحرس الشخصي والمرافقين الذين يعرفون بتحركاته في الفترة القادمة، بعد ان فشلت الخطة الأولى بالقبض عليه من خلال استجواب كبار معاونيه بعد اعتقالهم، وكذلك من خلال بعض شيوخ عشائر تكريت، وشيوخ عشائر المحافظات الأخرى، حيث ان الأغلبية لم تعرف مكان تواجده، او ان بعضهم يعتبر ان الوشاية بمكانه سيلحق العار بهم ويضعهم أمام مشاكل كبيرة. فالخطة السابقة تقول ان البحث عن الكبار واعتقالهم بدعوى أنهم يعرفون مكانه، ويسيوشون، هي خطة فاشلة. بينما الخطة الجديدة تقول ان »الصيد الثمين« يتأتى من حرسه الشخصي الذين رافقوه بعد احتلال بغداد.
كانت المؤشرات الأولية التي بدأت تتجمع في آب 2003، تقول ان هناك اشخاصاً أكدوا انهم رأوه في شمال بغداد، تارة في تكريت وتارة في مناطق أخرى.
وهكذا أسهب الفريق الجديد لوكالة المخابرات الأميركية في العراق بقيادة سوارز كيفان بجمع المعلومات عن الأشخاص الذين يروون تفاصيل تحركات صدام حسين وكيفية مشاهدته والاشخاص الذين كانوا يحرسونه. وكانت المخابرات الأميركية قد جمعت اكثر من مائة صورة لمائة شخص من حراسه السابقين والمرافقين له وأقرباءه. وكانت هذه الصور تعرض على الأشخاص الذين يدلون بمعرفتهم اياه، ومدى قربهم منه. وكان السؤال المطروح عليهم هو »متى رأوا صدام« ؟ وكانت أكثر الأسئلة إلحاحاً تتعلق بالأشخاص الذين يقومون بحراسته ومرافقيه وأوصافهم والأماكن التي يتردّدون عليها.
كان يعاون وكالة المخابرات الأميركية في البحث عنه، فريق من الموساد الاسرائيلي المكوّن من عشرة أفراد بمن فيهم رئيس قسم العمليات والاستطلاع بجهاز الموساد.
وهكذا، وبعد تحقيقات مكثفة، وعرض صور الحراس على المقبوض عليهم، توصلت المخابرات الأميركية والاسرائيلية الى انه لم يبق الا على اثنين من حراسه.
وقد تطابقت الأوصاف التي أدلى بها هؤلاء عن الحراس مع رؤية بعض الاشخاص للرئيس في تكريت، وآخرين عن رؤيتهم لهم في الرملة وفي كركوك. وتحدث آخرون عن ان هذين الحارسين كانا من أكثر الأشخاص الذين يثق بهم الرئيس صدام حسين.
تركزت التحقيقات بعد ذلك في معرفة كافة التفاصيل عن تحركات هذين الشخصين، وبدأ السعي الحثيث للقبض عليهما.
أدت المعلومات التي ساهم في جمعها كذلك أفراد من المخابرات العراقية، مع الفريق الأميركي والاسرائيلي، الى القبض على أحد المقرّبين من الرئيس في أواخر آب 2003، ومارسوا عليه شتى أنواع التعذيب لمعرفة مكان الرئيس، الا انهم فشلوا في بادئ الأمر، ولكن بعد الضغوط النفسية والجسدية العنيفة لمدة ثمانية عشر يوماً متواصلة، اعترف هذا الشخص بأحد المخابئ المهمة في جنوبي بغداد. وشكل اكتشاف هذا المخبأ نقطة جوهرية في مسار الخطة الأميركية التي التزمت بالسرية المطلقة. وقد وجد هذا المخبأ في منطقة مهجورة ويشبه المخبأ الذي عثر فيه عليه لاحقاً. كان هذا المخبأ داخل غرفة تؤدي الى حجرة عميقة، وكانت الحفرة التي تؤدي اليها الحجرة العميقة تبدو ضيقة كتلك التي زعموا أنهم وجدوه فيها.
بعد معاينة المكان الذي أحاطوه بالسرية المطلقة، والدخول والخروج منه بحذر شديد من دون المساس بمقتنياته البسيطة، أدرك الفريق الأميركي والاسرائيلي انهم قد اقتربوا من صدام حسين، وأحسوا بأنه يتحرك بذكاء شديد خلال زياراته لهذه المخابئ المهجورة. واكتشفوا بأنه يضع علامات دقيقة سرية للتأكد في ما اذا قام أحد بالدخول الى المخبأ، اذ كان يعتقد ان الأميركيين سينصبون له كميناً في أحد المخابئ. وقد أكد الشخص المقبوض عليه انه لا يعلم الا بثلاثة مخابئ وهي في الرملة وكركوك وجنوبي بغداد، وبالتالي فهو لا يعلم عن مخبأ الدور قرب تكريت الذي زعموا انهم وجدوه فيه في ما بعد.
تابع الفريقان بدقة وكثافة المخابئ الثلاثة التي أشار اليها قريب صدام حسين. الا ان المتابعات اكدت بأنه لم يتردد عليها نهائياً، مما تأكد للقوات الأميركية ان هذه المواقع مهجورة، وان المعلومات التي أدلى بها قريبه غير دقيقة.
مقابل ذلك، كانت هناك وجهة نظر أخرى تشير لوجود مخابئ أخرى في مناطق متفرقة من العراق يستخدمها لتعذّر استخدام مخابئ القصور الرئاسية او المخابئ الشهيرة التي تتحمّل ضربات القنابل الأكثر شراسة،الجنرال آروس بيكومان، احد ابرز رجال فريق الاستخبارات الاسرائيلية، كان أول من أشار الى ضرورة البحث عن هذه المخابئ داخل تكريت والمناطق المهجورة حولها، وخاصة لدى أقرباء الرئيس. فهذه المخابئ يحميها اشخاص يثق فيهم صدام حسين ويتحرك وسطهم بأمان.
كان التقرير الذي اعده آروس مثار بحث دقيق من قبل الاستخبارات الاميركية وقيادة الفرقة العسكرية الرابعة المكلفة بالبحث عنه. وقد زودت هذه الفرقة بعناصر من الكوماندوز الاميركيين، يدعمهم اربعة من الطيارين الكوماندوز الاسرائيليين الذين سيكلفون باستخدام طائرات اميركية لضرب السيارات حال هروبها من موقع القتال في حالة ادارة معركة طويلة، وهذه العملية تشابه عمليات ضرب القيادات الفلسطينية اثناء تنقلهم في سياراتهم وذكر آروس في تقريره ان المكان الذي سيختبئ فيه صدام حسين لا يثير اية شكوك، وان الحراسة الامنية هي من اقربائه ومن المحيطين به، وتكون بعيدة عنه.
بناء على هذا التقرير، توجه الاميركيون الى اعتقال اقارب الرئيس وأصهاره والحراس القريبين منه. كان واضحا ان الخطة الاميركية الجديدة ستقود حتما الى نتيجة هامة، ولذلك ظلت محصورة في بول بريمر والجنرال ريكاردو سانشيز وقائد الفرقة الرابعة والفريق الذي سيقوم بعملية التنفيذ.
بدأت القوات الاميركية في تنفيذ الخطة باعتقال اقاربه والحرس المنتمي الى تكريت بسرية تامة. وكانت تمارس على المقبوض عليهم كل وسائل التعذيب النفسي والجسدي. وقد اضطر عدد من الذين سقطوا من آثار التعذيب للتعاون مع الاميركان، وهم خمسة اشخاص، ثلاثة منهم من اقاربه وواحد من الحرس واخر من اصهاره.
كان أحد الأشخاص يمت اليه بصلة مباشرة. وفي تلك الفترة، مرض احد اخوال صدام مرضاً شديداً، فقام صدام في مساء متأخر من احد الايام بزيارتين الى خاله، وكان يتحرك بثقة كبيرة حتى إنه اصطحب في الزيارة الثانية ابن خاله وعمره (35 عاما) الى احد مخابئه، واعطاه مبلغ خمسة الاف دولار لاستكمال علاج والده.
قبض على هذا الابن في اليوم التالي. ومورس عليه اقسى انواع التعذيب، واعترف في اليوم التالي، واصطحبهم الى احد المواقع المعينة، ثم اشار لمنزل مؤلف من طابقين وقال انه استلم المبلغ من الرئيس خارج هذا المنزل.
قامت القوات الاميركية بمداهمة المنزل، وفتشوه تفتيشا دقيقا لمدة ثلاثة ايام في تشرين الاول 2003. وانتهى الامر الى اكتشاف مخبأ مهم في هذا المنزل. والمخبأ يشير الى وجود حفرة تؤدي الى حجرة تتسع لشخص. وكانت هذه الحفرة مغطاة بالحشائش. وقد عثر رجال الفرقة الرابعة على آثار طعام حديثة تدل على ان صدام حسين اعتاد المجيء الى هذا المنزل.
تأكد للاميركيين والاسرائيليين بأن »الصيد الثمين« قد اقترب. لذا نصبت عدة كمائن. واستمرت المراقبة لمدة اسبوع من دون جدوى. وهذا الانتظار خلق شكا عندهم ان صدام حسين ربما علم بالامر من خلال رجاله، وهو لا يعود الى موقع اكتشفه الاميركيون.
في اليوم الثامن، كانت المفاجأة عندما اقترب احد حراسه وهو من اقاربه، من المنزل. ويبدو انه قد كلفه باستطلاع المنزل. دخل هذا الشخص الى المنزل، وبعد تفقده غادره.
في هذه الاثناء، تصارع رأيان عند الفرقة الرابعة. اما القبض على هذا الشخص واجباره على الاعتراف بمكان صدام حسين، او تتبعه لمعرفة المكان.
حسم الامر، والقي القبض على الشخص. تعرّض للتعذيب بطرق فظيعة، انهار بعدها واعترف بأن الرئيس سيأتي الى هذا المكان بعد وقت قصير. وقد ساعد الاميركان في تحديد المنطقة، الاجهزة الحديثة للاتصالات السلكية واللاسلكية من قبل الفرقة الرابعة. ونشرت هذه الاجهزة على مساحة تقدر بأربعة كيلومترات حول المنطقة التي من الممكن ان يتواجد فيها الرئيس. وكانت هذه الاجهزة قد استخدمت في وقت سابق في افغانستان، وحققت نجاحاً كبيراً اثرت على شبكة اتصالات تنظيم القاعدة التي اضطرت الى التخلي عن اتصالاتها سواء بالهاتف المحمول او الثابت.
وقد رصدت هذه الأجهزة اتصالاً خارجياً يعتقد أن صدام حسين قد أجراه مع زوجته سميرة الشابندر من هذا المكان، والذي حسم هذا الأمر بأنه صوت صدام حسين هو طارق عزيز (محاولة الدسّ على الأستاذ طارق عزيز) الذي كان يعرف الشخص الموجود على الطرف الآخر من الاتصال. وقد استمر الاتصال لمدة عشر دقائق. كان الرئيس على مقربة من المكان، ويبدو أنه شعر بالخطر، أو أنه شاهد بعض القوات الأميركية، فابتعد عن المنطقة بطريقة ذكية حين كان الاميركان على وشك القبض عليه. وكان وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد قد أعلن سابقاً بأن البحث عن صدام حسين هو كمن يبحث عن ابرة وسط كوم من القش. اذ في كل مرة يقترب هذا الصيد الثمين، كان صدام حسين ينجو بأعجوبة.
يوم الجمعة في 12 كانون الاول 2003، وفي بغداد وتحديداً في منطقة العرصات/ الكرادة، لاحظت القوات الأميركية حركة غير اعتيادية في دار قريبة، فاقتحمت تلك الدار التي كانت بيت دعارة، واعتقل كل من كان فيها. ولم تطلق رصاصة واحدة من الطرفين. فتحت التحقيقات مع الجميع بعد اصطحابهم لأحد المواقع العسكرية الأميركية. وتوقف رجال المخابرات عند احد الاشخاص ويدعى محمد إبراهيم المسلط الذي قال انه كان عقيداً في الجيش. وبعد التدقيق في اجهزتهم الالكترونية، وجدوا تطابقاً في المعلومات بين اسمه والمعلومات المخزنة لديهم ما عدا عنوان العمل. كان الأميركان يبحثون عن هذا العقيد للوصول الى »الصيد الثمين«. فقاموا باجراء تحقيق (خاص) معه من دون ذكر نوع هذا التحقيق وخاصيته. وقد أكد لهم ان صدام حسين موجود في مكانين في قضاء الدور الذي يبعد مسافة 180 كلم شمال غرب بغداد. وعلى الفور، جرى الاتصال بقائد الفرقة الأميركية المكلفة بالمطاردة، الكولونيل جيمس هيكلي، ووضعت الاستعدادات القصوى تحسباً لأية عملية من قبل المقاومة. وقد نقل العقيد إلى تكريت بطائرة عسكرية، حيث اخضعته شعبة المخابرات الأميركية والاسرائىلية الى تحقيق (خاص) اعترف اثره بكل ما لديه من معلومات.
عصر يوم الجمعة في 12/12/2003، وفي الساعة الثالثة بالتحديد، تحرك ما يزيد عن خمسين عجلة أميركية يرافقها غطاء جوي كثيف، مع أفواج من الخيالة والقوات الخاصة الاميركية وقوات المارينز وأدلاء عراقيين مع مترجمين وبعض أفراد البيشمركة من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لجلال طالباني، بالاضافة الى العقيد الذي اعتقل في بغداد.
طوّقت المنطقة، وفرض حصار شديد عليها. اشار لهم العقيد الى الدار الأولى، ففتشوها بدقة، لكنهم لم يعثروا على الهدف. لكنهم بالمقابل وجدوا سيارة أجرة بلونين الأبيض والأصفر، وهي قديمة جداً. بالاضافة الى دراجة نارية وحصان. ثم اشار لهم العقيد الى دار قديمة متواضعة في المزرعة، وقال ان الرئىس موجود في داخلها. على الفور اعتقل شخصان وفتش الدار، فوجدوا اطعمة قديمة واخرى معلبة مع مبلغ 750 الف دولار حسب ما اعلن الجيش الاميركي.
(حسب روايات كثيرة فإن المعلبات التي وجدت كان يستعملها فقط الجيش الاميركي).
.. حين كانوا على اهبة الخروج، لاحظ احد الجنود صخرة تتحرك تحت قطعة سجادة. وبعد ان رفعت بعض الحشائش والاتربة من فوق الصخرة، رفعت باستخدام المعاول والمجارف! فاذا بالفتحة التي تؤدي الى »حفرة العنكبوت« والتي لا تتسع الا لشخص واحد كان هناك شخص ممدد، قال للجنود باللغة الانلكيزية: »انا الرئيس صدام حسين«. اخرجه الجنود وكان يحمل مسدساً نقله الجنود الى القاعدة الاميركية في تكريت، ثم نقل بطائرة عسكرية امريكية حيث مكان اعتقاله قرب مطار بغداد الدولي.
جرى التعرف عليه من خلال بعض مساعديه الذين اكدوا انه هو، وعلى الفور ابلغ وزير الدفاع رمسفيلد، والرئيس الاميركي والجنرال ابي زيد، قائد العمليات الاميركي الوسطى.
وتقول بعض المصادر ان الرئيس بوش طلب احضاره برفقة بريمر الى البيت البيض على الفور، وطلب عدم اعلان ذلك.
وحسب الرواية الاميركية فقد اصطحب، في سرية تامة، الى مكان في العاصمة الاميركية واثناء نقله كان يحقن بجرعات مخدرة من انتاج اسرائيلي.
كان بوش يريد ان يرى صدام حسين مكبلا، وكان يريد كذلك ان يخاطب العالم، بعد وضعه في قفص حديدي خلف باب يفتح اوتوماتيكيا. ثم ما ان يبدأ خطابه حتى يعلن المفاجأة بالقول هذا هو الشخص الذي حيّر العالم. ثم يفتح الباب ويظهر صدام حسين داخل القفص بوضع مزر. الا ان كولن باول واغلب رجال البنتاغون رفضوا ذلك لانها ستكون رسالة استفزاز موجهة لكل الشعوب العربية. تم اعادة صدام حسين الى مطار بغداد. بعد ذلك اعلن خبر القبض عليه.
وخبرنقل الرئيس الى اميركا لم يؤكده او ينفه احد.
هذه هي الرواية الاميركية لكيفية اسر الرئيس صدام حسين.
الأميركيون سألوني عن أسلحة الدمار الشامل وجوابي كان: لو امتلكتها لما غزوتم العراق
إنهالوا عليه بالضرب وشتموه فسقط مغمى عليه فاستقدموا طبيباً ليفحص فكّه
سألني الباجه جي: ما الذي فعلته بالعراق يا صدام؟ فسألته: ما الذي جاء بك مع هؤلاء؟
تنشر الديار مقتطفات من كتاب: صدام حسين من الزنزانة الاميركية: هذا ما حدث ! من تأليف المحامي خليل الدليمي الذي رافقه طيلة فترة الاسر التي سبقت اعدامه، فكان الدليمي المحامي وامين السرّ والابن لصدام الذي خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي الذي ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته.
ففي حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله، ففي الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ، فيما الثانية يستعرض فيها الرئيس العراقي الاسباب الحقيقية التي اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله، كما انه يكشف الخيانة التي تعرّض لها والشكوك التي رافقته خلال الايام القليلة التي سبقت اعتقاله.
في حلقة الأمس، سرد المحامي خليل الدليمي الرواية الاميركية للاعتقال أمام الرئيس العراقي صدام حسين، وفي حلقة اليوم نتابع رواية صدام للحادثة:
حين انتهيت من رواية هذه القصة للرئيس، ضحك وقال:
»الاميركان أساتذة في الدبلجة، وكنت واثقا انهم سيحرفون الحقائق. فقد ارادوا ان يقدموني للعالم بطريقة غير لائقة ليقولوا للعراقيين هذا هو رئيسكم، ويقولوا للعرب هذا بطل قوميتكم. هذه هي طريقتهم، طريقة افلام الكاوبوي السخيفة التي اشتهروا بها. وهم خبراء في ذلك. وقد رأينا ما حصل عندما انزلوا قواتهم في بنما واختطفوا الجنرال نورييغا وحاولوا تشويه سمعته، وأساليبهم معروفة لكل العالم. وها أنا اروي لك القصة الحقيقية، وانفي نفيا قاطعا معظم ما ورد في الرواية الاميركية وخاصة الاسم الذي ذكروه بأنه هو الواشي، فهذا الشخص لدي ثقة كبيرة فيه، والاميركان يريدون خلط الاوراق والتمويه على الخونة الحقيقيين الذين سلموني للغزاة«.
ثم بدأ الرئيس يروي تفاصيل أسره، فقال:
»كنت اتردد على دار احد الاصدقاء في قضاء الدور في محافظة صلاح الدين وقد اخترت هذا المكان لانه المكان ذاته الذي لجأت إليه في عام 1959 وعبرت نهر دجلة عندما شاركت في الهجوم على موكب الزعيم عبد الكريم قاسم. وهو يقع على نهر دجلة، وبالقرب منه احد القصور الرئاسية في الضفة الثانية.كان صاحب الدار صديقا أثق به ثقة كبيرة هو قيس النامق، وكنت آنذاك أكتفي باصطحاب اثنين من افراد حمايتي من المقربين لي كي لا اثقل على صاحب الدار، ولكي لا تكون الدار هدفا مرصودا للقوات الاميركية. ودرءا لاي طارئ قمنا بوضع دراجة نارية وحصان وزورق جاهز في النهر امام الدار على نهر دجلة لكي نستخدمها جميعا عند الحاجة. فإذا جاء الاميركان من جهة الصحراء نقوم باستخدام الزورق. واذا جاءوا من جهة النهر او الشارع نستخدم الحصان ونسلك الاراضي الزراعية. واذا ما اتوا من الاراضي الزراعية، فيمكن لنا ان نسلك بواسطة الدراجة النارية طريق الصحراء. وقد اعددنا العدة لكل حالة. ثم زيادة في الحذر، قمنا بإنشاء ملجأ تحت الارض كي نلجأ إليه في الحالات الطارئة ويشبه الملاجئ التي كنا نساعد العراقيين في انشائها في زمن الحرب العراقية - الايرانية.
كنت أمضي وقتا في هذا البيت اكثر من اي مكان آخر، ففي احد الايام، كنت في اماكن بعيدة ولعدة ايام اتفقد بعض فصائل المقاومة وبعض دور العراقيين. عدت لهذه الدار وانا منهك من التعب. كان الوقت عصرا فأخذت المصحف الشريف وقرأت بعض الآيات، وبقيت حتى الغروب. كانت زوجة هذا الصديق تعد لنا الطعام. وعندما حان وقت الصلاة، اطبقت المصحف واتجهت الى مكان الصلاة، فإذا بصاحبي يأتي راكضا من خارج الدار صائحا: لقد جاؤوا، مكررا هذه العبارة عدة مرات. فتساءلت عمن يكونون، فأجاب: الاميركان.
وعلى الفور نزلت الى الملجأ وبعد دقائق اكتشف الاميركان مكاني، فقبضوا علي من دون اية مقاومة مني، بل لم اضع في حسابي مقاومتهم والسبب هو انني قائد، ومن جاؤوا كانوا جنودا وليس من المعقول ان اشبتك معهم واقتل واحدا او اكثر منهم وبعدها يقومون بقتلي. فهذا تخل عن القيادة، والشعب وضع ثقته فينا رئيسا وقائدا وليس جنديا. لكن لو كان بوش معهم لقاتلته حتى انتصر عليه او اموت.. قبل القبض علي، تكونت لدي بعض الملاحظات على صديقي صاحب الدار. فقبل أسبوع من الاعتقال، بدا لي شارد الذهن، وقد بدأ وجهه يتغير وتصرفه غير طبيعي. ومن شدة ثقتي به لم يساورني ادنى شك في احتمال ان يغدر بي. بدا لي في بعض اللحظات انه خائف ومرتبك. ومع الاسف، فإنه ركب الهوى وتبع الشيطان، وربما هي الغنيمة التي وعده بها الاميركان. اما انا، فلم اكن املك مبلغا كبيرا من المال لاتحسب للخيانة مكانا. كان كل ما معي هو مليون ومئتان وثمانون الف دينار ادير بها بعض عمليات المقاومة.. لذا، عليكم ان تخبروا العراقيين ان قيس النامق واخوانه هم الذين وشوا بي.
وأنفي كذلك نفيا قاطعا ما قيل حول تعرضي للتخدير. فهذا جزء من مسلسل الكاوبوي الاميركي. والحقيقة انني لم اكن مخدرا، ولم اتناول طعاما او شرابا لا في الايام الاولى لاعتقالي ولا بقية الايام. وما يتعلق بتساؤلات الناس بأنه جرى نقلي الى الولايات المتحدة، فإنني لم اتناول اي شيء أفقدني الذاكرة او اية مادة منومة. ومكاني لم يتغير سوى انني انتقلت الى المكان الثاني حيث كنت في البداية قريبا من ساعة بغداد حيث المعتقل الاول. وانفي ما قيل حول نقلي الى جزيرة سانتياكو. المكان الوحيد الذي انتقلت اليه هو مستشفى ابن سينا هذا العام، حيث اجريت لي عملية جراحية »فتق« من دون تخدير ليسببوا لي آلاما شديدة، الا انني تحملت بصبر كبير. كانوا يريدون لي ان اضعف، الا انني قمت من العملية ومشيت بشكل طبيعي متحديا ظلمهم لي، وقلت اهذه هي انسانيتكم وديمقراطيتكم.. ثم انهم ينقلونني احيانا الى المستشفى حين تستدعي حالتي الصحية ذلك. واكرر انني ولدت في العراق، وسأبقي فيه واموت وسط شعبي، ولن اخرج من معتقلي الا الى حيث اختارني ربي.
أما تاريخ القبض عليه، فكان في اليوم الذي عدت فيه الى بيت هذا الصديق في 12/12/2003، وقبض علي قبل صلاة المغرب. اما صورة النخلة والتمر التي اظهرها الاميركان، والتي انكرها الكثيرون باعتبار اننا في فترة الشتاء، فقد كانت حقيقية. وهذا ليس بالامر العجيب. فالعراق زاخر بأنواع مختلفة من التمور التي يتأخر ثمار بعضها في النضوج، وبعضها يبقى كزينة على الشجرة لعدم حاجة اصحابها لها.
(لدينا تسجيل موثق بصوت الرئيس صدام حسين في احدى جلسات المحاكمة وهو يذكر اسماء الاشخاص الذين وشوا به. ونحن بدورنا نتساءل هل وجد اشخاص خارج معرفة الرئيس مرتبطين بهذا الشخص الواشي وبتنسيق مع الاميركيين؟).
الاعتقال والتعذيب وأول الزائرين
حين ألقوا القبض علي مباشرة، سمعت احدهم يقول: الرئيس بوش يسلم عليك. ثم قام مترجم اميركي يتحدث باللهجة العراقية، وانهال علي بالضرب المبرح، وبعبارات بذيئة، واخذ بعض الجنود الاميركيين ينهالون علي بالضرب بأعقاب البنادق. ثم اقتادوني بطائرة عمودية الى بغداد حيث استمر تعذيبي بطريقة غير معقولة. كانت ذقني طويلة وكذلك شعر رأسي. وعندما احضروا الطبيب، بدأ يفحصني وكنت اشير له على فكي اذ توقعت بأن فكي قد كسر من شدة الضرب. وكان يبحث في فروة رأسي عن كدمات حدثت من شدة التعذيب. كنت منهكا جدا فالموقف لم يكن سهلا ابدا. ثم حلقوا شعري وذقني، وجاءوا إلي بثلاثة اشخاص عرفت من بينهم عدنان الباجي جي لانه كان وزيرا سابقا للخارجية العراقية. وهذا الرجل سياسي. سألني: ما الذي فعلته بالعراق يا صدام؟ وبدوري سألته: ما الذي جاء بك مع هؤلاء وأنت رجل سياسي ولك تاريخ؟.
ثم قدموا لي الشخص الآخر، والذي على ما اذكر، لم يتكلم. قالوا انه احمد الجلبي.
اما الشخص الثالث، فكان موفق الربيعي الذي بقي خارج السور، اي كان بيني وبينه اسلاك شائكة. كان يتحرك ذهابا وإيابا ويقول: اللعنة عليك يا صدام، بالاضافة الى كلمات بذيئة، ثم سألني: هل تستطيع الآن الخروج الى الشارع؟ فقمت من مكاني لألقنه درسا، لكن الاميركان امسكوا بي. قلت له: هذا شعبي، واستطيع ان اخرج إليه واواجهه في اي وقت، ولكنني اتحداك انت ان تخرج الى الشارع. وبعدها، كما لاحظتم، قابلني القاضي الجوحي. لم يقابلني احد غير هؤلاء سوى الاميركان من الحراس والضباط. وزارني الصليب الاحمر ثلاث مرات، وكنت مستاء منهم، لانهم لا يقومون بدورهم المحدد وواجبهم وفقا لاتفاقيات جنيف. فلم تكن زياراتهم لي ذات فائدة، واذا استمروا على هذا الحال، فإنني لا ارغب في لقائهم. وقد سلموني رسالتين احداهما مؤرخة في شهر آب 2004، وهي مثل سابقتها، شطب من محتوياتها سبعون بالمائة... وردا على سؤال ان كنت قد التقيت بأحد من رفاقي، فأقول انني لم ألتق بأحد، ولا اعرف مكان اعتقالهم ولا احوالهم. وقد ابلغني قبل فترة احد الضباط الاميركان ان ابن عمي علي حسن المجيد قال إنني لم اكن شجاعا وكرر هذه العبارة فتجاهلته بالكامل، واعتبرت هذا الكلام من باب الفتنة التي يجب الحذر منها، ونوعا من الاستدراج في التحقيق.
من خلال التحقيقات التي اجراها الاميركان معي، كانوا يسألونني باستمرار عن مكان اسلحة الدمار الشامل. وكنت اقول لهم اسألوا انفسكم، وانتم تعلمون يقينا بأنه لو كان لدي اسلحة دمار شامل، لما اقدمتم على غزو العراق واحتلاله. ثم سألوني اين اخبئ اموالي الكثيرة، واتهموني بأن رصيدي تجاوز الـ36 مليار دولار، فقلت لهم: فتشوا مصارف العالم واحدا واحدا، وانبشوا الارض تحتكم، فلن تجدوا شيئا لأنكم تعلمون بأن ليس لصدام حسين حسابات حقيقية او وهمية، وانتم على معرفة بوضع عائلتي، وجزى الله عنا خير الجزاء من آواهم وأعالهم.
اسئلة كثيرة سخيفة طرحوها علي، شعرت من خلالها بتخبطهم في التحقيق، وبأنهم في ورطة حقيقية. لذلك اجدهم يبحثون عن اي حل يحفظ ماء وجوههم.
زنزانة الرئيس
بعد أن تحدث الرئيس صدام حسين عن قصة أسره عندما كان في الدار التابعة للمزرعة، ثم نزوله الى الملجأ او السرداب كما كان يسميه احيانا ساورني شك بأن هناك حلقة مفقودة لا يعلمها الرئيس وهو ما جرى خارج الدار، لان الفترة بين اخباره بقدوم الاميركان ونزوله الى الملجأ يستغرق وقتا لا يقل عن عشر دقائق، وخروجه من الملجأ لا يتم إلا بمساعدة احد، كما ان الحفرة التي اظهرها الاميركان على ان الرئيس كان مختبأ فيها (إن لم يكن قد تم تغييرها بأخرى) ما هي الا مدخل صغير يؤدي الى الملجأ. فمن باب الاساءة للرئيس وضعوه في مدخل الملجأ وليس الملجأ نفسه، وبعدها انهالوا عليه بالضرب المبرح الوحشي مع سبه وشتمه، مما افقده توازنه، خاصة وهو يقترب من السبعين من عمره فسقط مغمى عليه. ثم قاموا بعدها بنقله الى القاعدة الجوية الاميركية في تكريت، وبعدها نقل على عجل الى بغداد بطائرة مروحية. واكتملت فصول المسرحية بإظهاره بالطريقة التي رآها العالم حيث الطبيب يفحص فكه، والرئيس يشير إليه للتأكد من سلامة فكه بعد ان تعرض لأقسى انواع الضرب على وجهه. كما ان الطبيب كان يفحص فروة رأسه بحثا عن كدمات. وحين سألته ان كان وقتها او قبلها مخدرا، اجاب بالنفي وبشكل قاطع وقال: كنت قد تعرضت لتعذيب وحشي افقدني صوابي. لذلك فإن مجرد ذكر موضوع الوشاية كان يؤلمه بشكل كبير.
والرئيس صدام حسين يعرف مكان اعتقاله، ويعرف تفاصيله. وهو كما يقول: »عبارة عن غرفة مساحتها 3 * 5 متر، نوافذها عالية تحت السقف مباشرة. في احد زوايا الغربة حمام ودورة مياه. ويخرجونني يوميا لمدة ساعة واحدة الى قاعة مساحتها بحدود 10 * 5 متر، سقفها مشبك ارى من خلاله السماء، لكنهم وضعوا عليه لاحقا »جادر« (نوع من القماش الخاص)، وتركوا لي فتحة عليا بمساحة مترين فقط اسمع من خلالها اصوات الانفجارات وازيز الطائرات. كانوا يخرجونني يوميا صباحا الى الجب لأنه يشبه بئر يوسف ملحق ببيت النور. وهو عبارة عن جدران عالية تحيط بمساحة ارضية لا تزيد عن 25 * 10 متر مغطاة بتشبيك من الاسلاك الحديدية تعلوه خيمة، وتركوا جزءا مكشوفا منها لارى السماء من خلال هذا الحديد. كانوا يخرجونني الى هذا المكان من خلف اربعة ابواب حديدية..
وأتساءل: هل يهم السجين ان كان لسجنه شبابيك ام لا، او ان تكون الابواب التي يتعداها خمسة او عشرة او واحدا.. إنكم تعرفون مدى صبري. فهذا ثواب لحسنات وتكفير عن سيئات. والحمد لله على وعده.
الزمن يمر مسرعا وانا اخشى ان انظر الى ساعتي، واخشى ان يأتي الضابط ليبلغني بانتهاء الوقت. تمنيت للحظة ان تتوقف عقارب الساعة، لكن الزمن يمر ويمر بسرعة رغما عنا وعما يعتري داخلي من الشوق.. فكيف اذا كان هذا الزمن محددا مع رئيسي صدام حسين.
بين المصحف والعائلة
كنت قد احضرت للرئيس مصحفا من بيتي، فشكرني عليه. وقد لاحظت ان المصحف الذي بين يديه محروقه من احدى زواياه. استفسرت من الرئيس عن هذا المصحف فقال لي:
بعد اعتقالي بأيام، اخذوا مني نظارتي الطبية، ولا اعرف مصيرها. وهذا المصحف لي قصة معه. عندما كنت ازور الناس في مختلف الاماكن والمحافظات، وبعد بناء دور الضيافة، امرت بوضع مصاحف في كل غرفة من غرف الدور. وبعد اعتقالي، جاءوا بي الى احد الاماكن التي لا يوجد فيها دورات مياه داخلية، فطلبت الخروج لقضاء الحاجة. فقاموا كعادتهم بوضع قطعة قماش على عيني، لكنني كنت ارى من خلالها. اقتادوني الى احد الاماكن المدمرة الملحقة بالدار التي اقيم فيها الان والتي دمرت نتيجة القصف، فوجدت هذا المصحف مرميا على الارض وقد التهمت النار جزءا من زواياه. فرحت به كثيرا، وسمحوا لي بأخذه. وفي غرفتي وجدت ان الصفحة الاولى والصفحة التي فيها سورة (الحمد) قد اقتطعتا نتيجة القصف. فأخذت قطعة حلوى لدي وبللتها بلعابي وكتبت عليها بدل الصفحات الناقصة، البسملة وسورة الفاتحة. والان اقرأ بهذا المصحف واعتز به كثيرا لانه من مصاحفي القديمة، واتذكر فيه كيف كنا وكان العراق.. الحمد لله.. الحمد لله على كل حال.
هنا نبهنا الضابط الاميركي انه لم يتبق من وقت المقابلة إلا ربع ساعة. سألت الرئيس ان كان يرغب في ان يبعث برسالة الى عائلته، فأجابني:
إن كنت تقصد عائلتي الاربع او الخمس انفار، فإنني اقول لك ان عائلتي هي العراق كله والامة العربية كلها. بلغ سلامي الى شعب فلسطين والعراق والاردن والامة كلها وكل الخيرين في الانسانية، ولا بأس ان تسلم لي على عائلتي الصغيرة. وبلغ سلامي الى كل زملائك المحامين والى عشيرتك والى امك التي انجبتك، وقبل رأسها عني، ودير بالك على نفسك.
❊ ❊ ❊
لملمت اوراقي، وعانقته مودعا وقبلت يديه. شعرت بالالم يعتصرني وأنا اغادره.. شعرت ان نصفي المهني يغادره والنصف الانساني الذي جبل بتراب العراق وحب رئيسه يريد ان يبقى معه. وتساءلت كيف اتركه بين ايدي الغزاة، واعلل النفس بأنه حر بإرادته، بصلابته، بكل انجازاته التي حققها للعراق الحبيب، العراق الذي عشقه الرئيس، وما كان يملك سوى هذا الحب الذي شغل حياته. فالعراق في دمه.. قائد عظيم لم يهرب من الميدان.. لم يعثروا له على اموال في البنوك.. قال لهم الحقيقة ان لا اسلحة دمار شامل في العراق، وصدق وكذبوا هم...
حين كنت اودعه، قال لي بنبرة أبوية دافئة:
»الحمل لله الذي وهبني ابنا ثالثا. وللمرة الثانية أقول بلغ سلامي الى اسرتك واطفالك، وان تقبل رأس والدتك، وقل لها: لقد أنجبت رجلا شجاعا، لان مهمتك واخوانك صعبة وفي غاية الخطورة.. حماك الله يا ولدي، وفي امان الله..«.
لم اتماسك.. انهالت دموعي شعرت فيها طعم ونقاء دجلة والفرات. قلت في نفسي: هي بعض من الوفاء لك. يملؤني الفخر بك. سأواصل الدفاع عنك ولو كلفني ذلك حياتي.
حين غادرت الرئيس، طلب مني الضابط الاميركي التوجه الى العربة ذاتها وسط عجلات الحماية العسكرية الاخرى. وفي طريق العودة توقفت العربة، واذا بضابط اميركي طويل القامة، احمر الوجه يسألني عن زيارتي للرئيس صدام حسين بعد ان عرفني بنفسه ورتبته وهو قائد المعتقل. رغبت بالنزول للتحدث بأمور تتعلق بالرئيس، لكنه رفض كي لا احدد مكان الاعتقال وقال: سنسهل مهمتك في زيارته، لكن لا تبح لاحد عن مكانه، فسماء العراق مليئة بالاقمار الصناعية، ونخشى ان تقوم الدول بإعطاء معلومات عن مكانه لدول اخرى التي من الممكن ان تقصف مكان الاعتقال، وعندها ستتحمل انت المسؤولية. رددت عليه بأن حياة هذا الرجل تهمني وتهم شعب العراق اكثر منكم، وانا احرص على ذلك. ثم شكوت له من الحواجز ونقاط التفتيش الاميركية التي قد تعرقل وصولي في الوقت المطلوب الى مكان الرئيس. فأعطاني رقم هاتفه الشخصي للاتصال عند الضرورة.
اعلن الاميركان بعد زيارتي هذه للرئيس انهم فجروا الدار التي كان يعتقل فيها، وانعم غيروا مكانه، ثم قاموا بقطع خط الاتصال الساخن الذي زودني به الضابط الاميركي، ثم تبين لاحقا ان الاميركان لم يفجروا او يغيروا مكان اعتقال الرئيس، وانما اجروا بعض التغييرات على الدار كوضع اشكال وادوات تمويه لاخفاء معالم المكان. وقد اخبرني الرئيس لاحقا بذلك قائلا: المكان هو نفسه، بحيرة النور، وخلوا فوكاه (ووضعوا فوقه) غش للتمويه.
الرئيس واستخدام الهاتف
في السنوات التي كنت قريبا فيها من الرئيس خلال فترة اعتقاله، علمت منه انه ما كان يحبذ استخدام الهاتف لأسباب امنية، خاصة بعد عام 1990، حيث غصت سماء العراق بالاقمار الصناعية، وانتشرت آليات التجسس الاميركية والمعادية. وقد قال لي ان علينا التعامل مع الهاتف بحذر، وقال: لا اتذكر انني استخدمت الهاتف بعد عام 1990 الا مضطرا، اما اختصارا للوقت او لقضية انسانية. اما القضايا الاخرى والمهمة فكنت استخدم التبليغ الشفوي او التحريري مع اخواني في القيادة او مع السكرتير.
وكان الرئيس يؤكد على خطر استخدام الهاتف وخاصة اللاسلكي وقت الطوارئ والحروب، لان استحضارات العدو تعتمد على المعلومات الاستخبارية التي يحصل عليها في ميدان المعركة او في عمق الخصم عن طريق استخدام وسائل الاتصال. ولذلك تعتمد الجيوش على الكلام المشفر للتمويه على تنصت العدو او ما يحدثه من خرق.. حتى في اجتماعات القيادة لا اذكر انني استخدمت الهاتف في تحديد اجتماع او طلب حضور اخواني في القيادة. وكان يتم ذلك عن طريق تبليغنا السكرتير خطيا او شفويا.
المعارضة العراقية حاولت تشويه صورة طارق عزيز واتهامه بالاجتماع مع شخصيات اسرائيلية
صدام قرّر اعدام نجله عدي لقتله احد المرافقين و تراجع عن قراره بعد طلب الملك حسين
احرق السيارات الفخمة التي امتلكها ابنه البكر ورفض توزيعها على الناس خشية من الانتقام
تنشر الديار مقتطفات من كتاب: صدام حسين من الزنزانة الاميركية: هذا ما حدث ! من تأليف المحامي خليل الدليمي الذي رافقه طيلة فترة الاسر التي سبقت اعدامه، فكان الدليمي المحامي وامين السرّ والابن لصدام الذي خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي الذي ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته.
ففي حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله، ففي الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ، فيما الثانية يستعرض فيها الرئيس العراقي الاسباب الحقيقية التي اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله، كما انه يكشف الخيانة التي تعرّض لها والشكوك التي رافقته خلال الايام القليلة التي سبقت اعتقاله.
من المعروف ان لرئيس الدولة، اي دولة، صلاحيات وواجبات محددة وفقاً للقوانين والانظمة والدساتير. وهذه الصلاحيات لا يمكن لها ان تجعل من الرئيس مسؤولاً عن كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة، خاصة ان سلطات الرئيس الدستورية المعروفة لا تجعل منه »قائمقام« او »مدير ناحية« او »شرطي مرور« حتى يطّلع على أدق التفاصيل ويعالج كل ما يتصل بها من اخطاء.
في لقاء مع الرئيس صدام حسين في معسكر كروبر، تحدثنا طويلا عن المعارضة العراقية، وعن الاخطاء التي حدثت والتي قد تكون سبب اذى للكثيرين الذين لم تصل قضاياهم الى الرئيس. وكان صريحا في الحديث حول هذا الموضوع.
يقول الرئيس:
»ان لكل نظام سياسي من يعارضه في الرأي، سواء ما يتعلق بالقوانين والانظمة، او قد يمتد ذلك الى سياسة الدولة الخارجية والداخلية في ما يخص سياستها وعلاقتها مع الشعب. وهذا النوع من المعارضة نحترمه ما دام الاختلاف في الرأي يقع ضمن اطار نظام الدولة ودستورها. وقد تعاملنا مع الكثير من الشخصيات الوطنية العراقية رغم اختلاف وجهة نظرها ومعارضتها لنا في كثير من الامور، لأن هدف هذا النوع من المعارضة هدف وطني نبيل، وهؤلاء العراقيون شرفاء وأصلاء ما داموا لا يستقوون بالأجنبي«.
تذاكرت مع الرئيس بعض هذه الأسماء ومنها المعارضة الوطنية التي يرأسها الدكتور عبد الجبار الكبيسي »جبهة التحالف الوطني«، التي عارضت الغزو الاميركي للعراق ومنهج الاستقواء بالاجنبي. وهنا قال الرئيس: »بلغ سلامي الى الجميع، والى الأبطال عوني القلمجي ونوري المرادي وهارون محمد«.
»كنا على وشك ان نصل مع بعض من رموز المعارضة الوطنية الى موقف مشترك لخدمة العراق لولا وقوع عدوان اميركا. فمشروع المعارضة هذه، مشروع وطني غير مرتبط بقوى وأجندات خارجية، وهم يعملون علناً، وهؤلاء وغيرهم نكن لهم كل الاحترام. اما من يعمل لحساب نفسه ويرتبط بأجندة خارجية، ويعمل في السر ومن خلف الحدود، بعضهم تحت اجندة تسمي نفسها دينية، وترتبط ارتباط وثيقا بأعداء العراق والعرب، ويعملون لايران وغيرها، فهؤلاء لا مكانة لهم بيننا، ولكن اذا ما اصلحوا انفسهم، وارتبط مشروعهم بمصلحة الوطن، وعملوا علنا، وانهوا كل ارتباط لهم بالخارج، فان حضن العراق يتسع للجميع.. وخلاف ذلك، فاننا نقاتلهم. فهم الذين جاءوا على ظهر دبابات أسيادهم.. وهؤلاء اعداء للعراق وشعبه«.
كان الحديث طويلا مع الرئيس حول المعارضة، وعن محاولات تشويه حتى صورة بعض الوطنيين. وقال لي ان تقريرا وصله ذات يوم قيل فيه ان الاستاذ طارق عزيز، عندما كان وزيراً للخارجية، التقى ببعض الشخصيات الاسرائيلية في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة.
»فقلت لمن جلب لي التقرير ولكاتب التقرير ان ثقتي بالاستاذ طارق لا حدود لها. وطلبت حضور الاستاذ طارق، وسألته على انفراد عما قيل، فأجاب: كان عندي مؤتمرصحفي، ويبدو ان بعض الصحفيين اليهود من بلدان العالم ومن اميركا كانوا في المؤتمر، ولم يكونوا اسرائيليين. فهل كان علي أن أتفحص هوياتهم بنفسي قبل الدخول للمؤتمر الصحفي؟«.
ويكمل الرئيس صدام: »طلبت منهم تمزيق التقرير وابقاء الامر سراً كي لا تحدث ثرثرة وتشكيك بالناس المخلصين للعراق«... ثم اضاف: »من العيب ان أتحدث عن نفسي، ولكن ما دام التشويه قد وصل الى هذا الحد، بعد أن بنينا العراق طابوقة طابوقة، فانني سأتحدث بعد الآن عن ذلك كي أوضح الحقائق التي بدأ من بدأ يشوهها على العراقيين«.
وكلنا يعرف الأستاذ طارق عزيز ومواقفه الوطنية المشرفة قبل الاحتلال وفي المعتقل. وهو الذي طلب مني ان يكون شاهداً للدفاع عن الرئيس صدام حسين، فعندما التقينا مع الأسرى أنا وزميلي الشهيد الأستاذ خميس العبيدي، قال لي الأستاذ طارق عزيز علناً وأمام الأسرى والجانب الأميركي: »أرجو يا أستاذ خليل ان تسمحوا لي ان اقول كلمة حق وأشهد للرئيس في قضية الدجيل«.
هناك أمثلة كثيرة حاول خلالها البعض من ضعاف النفوس الدس على أبناء العراق المخلصين ودفعوهم مرغمين الى الخندق الآخر، ووضعوهم في خانة المعارضة المتآمرة على العراق. وعندما يحين الوقت المناسب، سنكشف عن أدق التفاصيل في ما يتعلق بالمعارضة، وكيف كان يتم دفع كثير من الوطنيين مرغمين ان يكونوا ضد الدولة أو النظام، ومن هي الاطراف التي كانت تدفعهم، كل ذلك مدعوم بالوثائق والأدلة.
ثم يبتسم الرئيس ويتابع: »يا ولدي، قابل آني أصير ألف صدام حسين«.
لكن ربما يكون هناك من وقع ضحية وشاية أو ظلم بعض المحيطين والمقربين؟
يجيب الرئيس:
»نعم هذا يحصل، لكن لم يصلني مظلوم الا نصرته، ولا سائل إلا وأعنته، ولا صاحب حاجة الا وقضيت له حاجته. فقد كنت وما ازال انظر الى العراقيين نظرة واحدة. وقد حصلت اخطاء كثيرة، ولكننا كنا نتجنب وعلى قدر المستطاع الوقوع فيها، ولا اذكر اننا ظلمنا احدا، رغم اننا لسنا معصومين من الخطأ. اما اذا لم يصلني كل ما من شأنه ان يصلني ونرفع به عن كاهل اي عراقي عبئا ما، فهذا ليس ذنبي، حتى عندما كان يصلني عن اي تصرف خاطئ تجاه العراقيين من قبل الناس المحيطين
سواء في الديون او افراد الحماية او غيرهم، فقد كنت اعاقبه بنقله من مكان لاخر او نحيله على التقاعد، او ينال العقوبة التي يستحقها فلا نقبل ان يكون بيننا من يسيء لابناء شعبنا ويشوه صورة مسيرتنا، ولا نجزم بانه لا يوجد بين المحيطين والمقربين وحتى الاقوياء من هو سيئ.
ويضيف الرئيس:
ان من يسمون نظامنا الوطني الان ومن قبل، بالنظام الدكتاتوري، وكانوا يعارضوننا انذاك، كنا نستمع اليهم والى وجهات نظرهم، وكنا نتفق ونختلف معهم في امور عدة، وكنا نقف معهم ونساعدهم حتى ماديا وبمبالغ هم يعرفونها، ولا نمّن عليهم باعتبار انه استحقاق كونهم جزءا من هذا الشعب ولو كان السيد جلال طالباني واضحا، لافصح عن الكثير مما يعرف، وكذلك الحال مع السيد مسعود البرزاني، وقد تسعفه ذاكرته ليتذكر ما لا نريد ان نقوله كي لا يفهم ذلك بانه ايحاء منا لموقف نحتاجه في محنتنا هذه، فهذه هي ارادة الله، نحمده، فنحن بخير استجابة لامره.
انني ومن خلال مقاربتي للرئيس خلال هذه السنوات القليلة، واتصالي بالكثيرين من الذين كانوا محيطين به او المقربين منه،ا قول بكل صدق وامانة ان البعض منهم كانوا مخلصين للوطن وللرئيس، والبعض الآخر ما كان يستحق هذه الثقة، بل ان البعض تنكر لفضل الرئيس عليه، ولم يكن امينا على ما ائتمن عليه، مما اغضب الرئيس من تصرفاتهم هذه. في حين ان عددا لا يستهان به كانوا اوفياء للرئيس والوطن، وقد جازف بعضهم، رغم كونه مطلوبا من قبل القوات الاميركية، فادلى بشهادته امام المحكمة لمصلحة الرئيس.
وقد ذكرت للرئيس بان الكثير من المخلصين كانوا مبعدين عنه وحتى بعض اقربائه من النشامى، كانوا ضحية تصرفات البعض من الحلقة الضيقة التي تحيط به والتي اساءت للرئيس وللمخلصين من ابناء الشعب فقال:
حقا لقد كانوا مهمشين وتم التقصير معهم، ولا نريد ان نذكر اسماء اصحاب هذه المواقف الطيبة لاسباب امنية.
وكوني واحدا من ابناء شعب العراق العظيم، اقول للتاريخ ان صدام حسين قد سعى الى اقامة العدل والانصاف، وما طرق بابه مظلوم الا وانصفه واقتص من جلاده، وان البعض قد غيّب الحقيقة عنه، وانه كان حازما حتى مع اولاده واقربائه.
الرئيس واخطاء بعض اقاربه
وفي احد لقاءاتي مع الرئيس، سألته كيف كان يتعامل مع اخطاء ابنائه واقربائه فقال:
ذات يوم شكا لي احد الضباط من ان عدّي واحد اخواله اعتديا عليه بالضرب. فقمت على الفور باحضارهما، وطلبت من هذا الضابط ان يقوم بضربهما بالعصا نفسها. فرفض فهددته بالعقوبة وتنزيل رتبته ان لم يفعل. فقام بضربهما برأفة. فقمت بامساك العصا وضربت عدّي.
وفي يوم آخر، اخطأ قصي، فامرت حرسي الخاص بسجنه في زنزانة خاصة.
عندما قام عدّي بقتل احد المرافقين المرحوم كامل حنا، امرت بسجنه، وطلبت من القضاء ان يقول قراره العادل. لكنني وجدت ان وزير العدل والقضاء العراقي كا محرجا امامي. فقررت اعدامه. لكن ام عديّ ارسلت مبعوثا من دون علمي الى الملك حسين رحمه الله. وعلى الفور حطت طائرة الملك. وقد توقعت ان تكون زيارته في اطارالمشاورات الاعتيادية بين الاشقاء والعرب. لكنني فوجئت به يطلب مني العفو عن عديّ، واقسم الملك حسين الا يزور العراق ان لم استجب لطلبه. فاضطررت وفقا للتقاليد العربية الى العفو عن عديّ شرط ان يعفو عنه اهل الضحية.
وفي احد الايام، سمعت ان اخي وطبان وزير الداخلية، تصرف بشكل غير لائق وغير مسؤول، حيث قام بالنزول من سيارته بعد ان اوقفها سائقه التزاما باشارة المرور الحمراء، فنزل وطبان من السيارة وقام باطلاق النار على الضوء الاحمر محطما الاشارة في احد شوارع بغداد العامة وامام الناس الموجودين هناك.
وقد كان في حالة مزاجية وعصبية سيئة وغير عادية. بعد ان سمعت الخبر، اتصلت به واستفسرت منه عن هذا التصرف، فاجاب بانه فقد السيطرة على اعصابه في تلك اللحظة، واعتذر لي بشدة. فقلت له: اذن انا آسف، فلا مكان للمجانين، والمتهورين في قيادتنا، واعتبر نفسك من هذه اللحظة مغادرا لموقعك. وهكذا اصدرت قرار اعفاء اخي وطبان من وزارة الداخلية.
لقد مرت قصص كثيرة كنت فيها حازما مع اولادي واقربائي وغيرهم فانا لا افرق بين العراقيين.
عندما كنا نعيّن محافظا لصلاح الدين، وبحكم تواجد اهلي واقربائي هناك، كان على المحافظ المعيّن ولكي يقوم بواجباته، ان يحصل على الدعم الشخصي مني، وكنت ادعمه، وفي يوم، اتصل بي واخبرني ان احد ابناء الاقرباء يقود سيارته الفارهة بتهور، فقلت له اخرج انت بنفسك، واحرق السيارة او اعط الاوامر باحراقها.
عندما كانت تصلني معلومات عن عديّ، كنت له بالمرصاد لدرجة قمت بتحديد صلاحياته في كثير من الامور. وقد وصلتني معلومات حين كان العراق محاصرا من انه يمتلك سيارات كثيرة، بعضها هدايا من التجار، وبعضها من اصدقائه،سألت المرافق عن اماكن وجود هذه السيارات، وحين علمت بانها في مرآب قاعة المجلس الوطني، ذهبت اليها واحرقتها كلها وقد سألني المرافق لماذا لا نوزعها على الشعب، قلت ان من يأخذ سيارة سيكون عرضة للانتقام من عديّ، وقد يحصل له مكروه ومن دون علمي.
كنت اغضب كثيرا عندما يسيء التصرف احد من اقاربي لان تصرفه سينعكس على سمعتنا.
عندما ضرب عديّ في المنصور في محاولة لاغتياله، فانني والله لم اسأل عن الحادثة، ولم اعرف هل جرى تحقيق ام لا، الا بعد ان جاءني مدير المخابرات وسرد لي بعض التفاصيل، عدا عن زيارتي له مع بعض افراد العائلة في المستشفى.
واذكر ان احد الاقارب قام بضرب استاذه في الجامعة، وعندما علمت جمعت الطرفين، وطلبت من المرافقين ان ينال من العقاب مثل الذي فعله باستاذه.
وهنا سألت الرئيس ان كان لاولاده دور في القرار السياسي فاجابني:
لم يكن لاسرتي الصغير او اولادي اي دور في السياسة او في صنع القرار السياسي، بل كان القرار نحن من نضعه ونتخذه مع رفاقي. ولم يكن رأيي في اي يوم من الايام في اتخاذ قرار هو حاصل جمع الاصوات فالقائد يجب ان يكون لقراره ورأيه وزنه، ولا يتردد في اتخاذه، فانا لا احب المترددين.
صحيفة »الصن« البريطانية نشرت صوراًٍ له وهو يرتدي ملابسة الداخلية للتأثير على المقاومة العراقية
عرض المحققون على صدام صورة دبابة تحمل اطفالاً عراقيين ولدى تصفحها تبين إنها دبابة بريطانية
الاسرائىليون شاركوا في معارك الانبار و»الموساد« الاسرائىلي طرح على محاميه مئة سؤال
تنشر الديار مقتطفات من كتاب: صدام حسين من الزنزانة الاميركية: هذا ما حدث ! من تأليف المحامي خليل الدليمي الذي رافقه طيلة فترة الاسر التي سبقت اعدامه، فكان الدليمي المحامي وامين السرّ والابن لصدام الذي خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي الذي ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته.
ففي حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله، ففي الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ، فيما الثانية يستعرض فيها الرئيس العراقي الاسباب الحقيقية التي اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله، كما انه يكشف الخيانة التي تعرّض لها والشكوك التي رافقته خلال الايام القليلة التي سبقت اعتقاله.
حاولت اميركا بعد إلقاء القبض على الرئىس صدام حسين تشويه صورته اعلاميا وبشتى الوسائل واستخدمت في ذلك بعض ابواقها العربية المتأمركة. فلم تكتف بذلك. بل حاولت بعد استشهاده النيل من صورته التي توهجت اكثر فأكثر وهو يعلو سلم الشهادة والمجد. كانت تريد ان توصل رسالة الى كل العرب نقول: »هذا هو صدام الذي استسلم لنا بكل سهولة ومن دون مقاومة وذلك في بداية اسره، حين اظهرته في الصورة المدبلجة داخل الحفرة التي اعدها الاميركان بإتقان.
واستمرت المحاولات لتشويه صورة الرئيس وذلك لقتل الروح المعنوية للشعب العراقي والمقاومة خاصة والشعوب العربية التي كانت ترى في صدام حسين رمزا للقائد المجاهد الذي لم يتوان عن ضرب تل ابيب بتسعة وثلاثين صاروخا كانت ترصدها الجماهير من على اسطح منازلها. لكن صلابة موقفه اثناء المحاكمة المهزلة وقدرته على محاكمة جلاّديه، اثبتت لأعدائه ان هذا الرجل صعب المراس وان كل محاولاتهم باءت بالفشل وان صورته في العالم بأسره قد توهجت...
ويطرح جيف آرتشر (مالكوم لاغوش) الصحفي والمحلل السياسي الاميركي اسئلة لا تسمع اليوم كما يقول ولكنها ضرورية حين تطرح قضية العراق. ويسأل لماذا لا يجيب احد عن هذه الاسئلة وانما يركز العالم على امر واحد هو دكتاتورية صدام حسين وقضية الدجيل التي ضخّمت مع ان بوش اصدر احكاما بالاعدام عندما كان حاكما لتكساس تفوق بكثير الاحكام التي اصدرتها محكمة العراق عام 1984 بحق المتهمين. يتساءل آرتشر:
- لماذا لا نسمع احدا يتحدث عن ان العراق اختارته الامم المتحدة عام 1982 بلدا خاليا من الأمية بينما كان مستوى التعليم في العام 1973 اقل من 40٪؟.
- لماذا لا نسمع عن إعلان الامم المتحدة عام 1984 ان نظام التعليم العراقي هو افضل نظام تعليم يراه العالم بالنسبة لدولة من العالم الثالث؟
- لماذا لا نسمع ما قالته نيويورك تايمز عام 1987 من ان العراق هو باريس الشرق الاوسط؟
- لماذا لا نسمع عن زيارات صدام حسين الى بيوت العراقيين في جنوبي العراق في السبعينات ليتأكد من ان كل بيت يملك برادا وكهرباء؟
- لماذا لا نسمع عن الملايين من العرب الذين كانوا يذهبون الى العراق للاستفادة من برنامج الاراضي الذي اسسه البعثيون حيث يحصل كل فرد على قطعة ارض من اجل زراعة الحبوب؟
- لماذا لا نسمع عن العلماء العراقيين والاطباء الذين ارسلوا الى البلاد العربية لمساعدة تلك الدول في تطوير برامجها؟
- لماذا لا نسمع اطراء من الدول العربية للعراق لفقدانه جنودا بأعداد كبيرة في الحرب العراقية الايرانية دفاعا عن العرب الذين كانوا يخشون ان تقوم إيران بتصدير المتدينين المتعصبين لبلادهم؟
- لماذا لم نسمع عن المبادرات العديدة التي قدمت لصدام في التسعينات من المصادر الاميركية لكي يعترف باسرائىل وان يسمح للولايات المتحدة بإقامة قواعد عسكرية في العراق مقابل رفع الحصار عنه؟
- لماذا لا نسمع عن كون كل فرد في فريق التفتيش عن الاسلحة 1991- 1998 جاسوسا وليس مفتشا؟
محاولات رخيصة
وفي محاولة رخيصة من صحيفة (الصن) البريطانية التي يملكها الملياردير اليهودي الاسترالي ميردوخ للإمعان في تشويه صورة الرئيس صدام حسين نشرت له صورا على صفحتها الاولى وهو يرتدي ملابسه الداخلية. واعتقدت الصحيفة ان نشر هذه الصور سيؤثر سلبا على المقاومة العراقية خاصة وان مثل هذه الصور تبدو غريبة وغير مسبوقة لزعيم في اية دولة من دول العالم.
تطرقت لهذا الموضوع مع الرئيس وطلبت منه الموافقة على مقاضاة الصحيفة فقال:
»ما الذي يضيرني كرجل مسلم يصلي، ان اغسل ملابسي بيدي، رغم انهم وضعوا خادما منهم ليقوم بهذا العمل. فانا لا استسيغ ان يغسل ملابسي احد غيري. فارجو الا تقاضوا هذه الصحيفة لان نشر مثل هذه الصور لا يعيبني ولا يسيء إلي. فنحن اكبر من هذه الاساءات. ثم ان نشرها يفيدنا لكي يطلع العالم على ديموقراطية الغرب وانتهاكاته لخصوصية الانسان. عندما تكون لدينا قضية مهمة، فيجب الا نشتت آراء وانظار الرأي العام بقضية مثل هذه.علينا الا نفعل ما يشتت الاساس. بالاضافة الى انني ارفض ان تصدر باسمي اي دعوى او شكوى لها علاقة بالمال«.
ان كل هؤلاء الذين حاولوا الاساءة الى الرئيس صدام حسين من خلال تشويه صورته امام العالم، لا يدركون حقيقة هذا الرجل، فلو قبل المساومة على حياته، لكان ينعم الان في عواصم العالم، لكنه كان يدرك اهداف اعدائه من وراء احتلالهم للعراق، وانهم يريدون العراق سواء اكان هو موجودا ام لا.
بالاضافة الى ذلك، فانهم حاولوا كسر شوكته من خلال التشهير بجثث اولاده كما نشرتها التلفزة العالمية. وقد طرحت على الرئيس سؤالا يطرحه كثير من الناس: لماذا احاط الاميركان بالمقبرة بعد دفن عدّي وقصيّ، ومصطفى لعدة ايام؟ فاجابني:
احدى الاشاعات تقول ان الذين استشهدوا في الموصل يوم 22/7/2003 هم ليسوا اولادي، اي ينفون الروح الجهادية عنهم، وهي محاولة اخرى للتشويه. والدليل كما يقولون ان القوات الاميركية قامت بوضع الشمع على وجوه وبعض الاجزاء من جثث الشهداء لايهام الناس وانا معهم، انهم اولادي، وذلك للتأثير النفسي السلبي فيّ وفي المقاومة، لكنني اعتقد ان محاصرة المقبرة لعدة ايام كان لاعتقادهم بانني سأذهب الى هناك واقرأ الفاتحة على ارواحهم. فيتمكنون عندها من القبض علي.
رحمك الله يا مجاهد
ReplyDelete